يا رب كان عليك أن لا تخلقني وتدعني جليساً في زوايا العدم وتتركني. يقول الرب يا عبدي شأني الجود. وإفاضة الوجود. لا سيما وقد طلبته مني بجميع شراشرك. واقترحته علي بباطنك وظاهرك. وأنا الملك الحكيم. والرب الكريم. والإيجاد في نفسه رحمة. ولا يضر في ذلك أنه قد يترتب عليه نقمة. لا سيما إن كان ذلك مما تقتضيه الحكمة) قال الشيخ محيي الدين قدس سره (هذا يعني طلب الاستعداد الأزلي الغير المجعول لما يكون عليه العبد في الخارج هو حجة الله تعالى البالغة المذكورة في قوله تعالى) ولله الحجة البالغة (وإلى ذلك الطلب يشير ما حكي من أن علياً كرم الله تعالى وجهه دخل يوماً على عمر رضي الله تعالى عنه فرآه مغموماً فقال له ما عراك يا أمير المؤمنين فقال خوف سوء الخاتمة. فقال أما أنا فخوفي من سوء الفاتحة. فافهم ذاك. والله تعالى يتولى هداك.) لا يقال (يترائى من خلال الكلام أن للعلم التابع للمعلوم مدخلاً في وجود الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار ويلزم ذلك أن لا يكون الله عز وجل فاعلاً مختاراً لكونه سبحانه عالماً بأفعاله وجوداً وعدماً وهو خلاف مذهب المسلمين) لأنا نقول (ذاك غير لازم لأن الله تعالى غني بالذات عن العالمين ومقتضى غناه عنهم أن لا يكون صدور شيء من أجزاء العالم لازماً لذاته وكلما كان كذلك جاز أن يرجح ما شاء منها لداع أو غير داع لأن الله تعالى غني حميد وكلما. كان له سبحانه الترجيح لما شاء من طرفي الممكن بالنظر إلى ذاته الغني عن العالمين كان فاعلاً مختاراً في الترجيح لا يتعين عليه ترجيح أحد الطرفين بخصوصه. وهذا هو الاستقلال في الاختيار لكن الله تبارك وتعالى مع استقلاله في الاختيار لا يرجح إلا ما اقتضته الحكمة. لما يقتضيه الجود والرحمة. من مراعاة مقتضى الحكمة. فهو تعالى بالنظر إلى غناه الذاتي مستقل في الاختيار يرجح أي طرف شاء وبالنظر إلى ما سبق به العلم من ترجيح ما اقتضته الحكمة بمقتضى الجود والرحمة لا للوجوب عليه سبحانه لا يرجح إلا أحد الطرفين على التعيين. ولا مناقاة بين الاعتبارين لأن الاستقلال في الاختيار بالنظر إلى الغنى الذاتي والتعيين بالنظر إلى مراعاة الحكمة فلا يلزم من تعيين أحد الطرفين بالترجيح نظراً إلى سبق العلم لمراعاة الحكمة أن لا يكون مستقلاً بالاختيار في الترجيح من غير تعيين نظراً إلى غناه الذاتي وأما العبد فليس له جهة الغنى الذاتي حتى يصح له الاستقلال بالاختيار بوجهٍ ما فإنه فقير بالذات إلى الله تعالى الغني بالذات في أصل وجوده وكمالاته النابعة لوجوده التي منها قدرته وإرادته إذ لا فعل إلا بقوة بالضرورة ولا قوة إلا بالله بالنص المتواتر. ثم أنه لا يفعل إلا ما يشاء بالضرورة ولا يشاء إلا ما يشاء الله فلا يفعل إلا ما يشاء الله تعالى ولا يشاء الله سبحانه إلا ما سبق به العلم لأن الإرادة نابعة للعلم ولا سبق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه لمكان التبعية فلا يفعل العبد إلا ما يقتضيه استعداده الأزلي وليس في استطاعته ترجيح غير ذلك فإنه لا ترجيح له بالنظر إلى ذاته إذ لا ترجيح له إلا بالله وإلا جاز الانقلاب وكلما كان كذلك بطل استقلال العبد بوجهٍ ما في الاختيار في الطوع والإباء. واتضح الفرق بين الحق عز وجل والخلق وانكشف الغطاء. والحمد لله تعالى الذي نور الأرض والسماء. قاله العلامة الكوراني) وبالجملة (ما أبرز سبحانه ولا يبرز شيئاً من خزائن علمه إلا موافقاً لما هو عليه في نفسه وذلك عين الحكمة فهو عز وجل لا يسأل عما يفعل لأنه لا يفعل ما يسأل عنه لحكمته جل شأنه. وعز سلطانه. وليس نفي سؤاله تعالى عما يفعله لمجرد عظمته وجبروته أي أنه لا يجبر أحد أن يسأله الرهبة منه إذ ذاك شأن كثير من الملوك الظلمة فأي تمدح فيه ولو شاء سبحانه لهدى الناس جميعاً لكنه جل وعلا لم يشأ ذلك لأنه خلاف ما سبق به العلم التابع للمعلوم فقول الذين أشركوا) لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء (كلمة حق أرادوا بها باطلاً ولا يصح أن يكون حجة لهم على الله تعالى لما أشرنا إليه من أن مشيئته تعالى تابعة لعلمه التابع للمعلوم على ما هو عليه فانتقاء مشيئة عدم إشراكهم وتحريمهم ليس إلا من قبلهم وذلك سوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول. وقد أشار سبحانه إلى ذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع