واعترض بأنه يفهم مما ذكر صريحاً إن قدرة العبد واسطة في وقوع ما أراده الله تعالى من فعل العبد. والمشهور عن الأشعري نسبة جميع الكائنات إليه تعالى ابتداءاً حتى قال بعض الأشاعرة من قال أن الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله تعالى فيها فهو فاسق مبتدع. وفي كفره قولان. وأجيب بأنه كيف يتأتى إنكار الواسطة بعد نحو قوله تعالى) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم (وقوله تعالى) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض (وقوله عليه الصلوة والسلام) أنا الماحي يمحو الله بي الكفر (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي (إلى غير ذلك) وفي شفاء العليل لابن القيم (إن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها شرعاً وقدراً وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى جحد للضروريات وقدح في المعقول والفطر ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء فقد جعل الله تعالى مصالح العباد في معاشهم ومعادهم والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهي والحل والحرمة كل ذلك مرتبطاً بالأسباب قائماً بها بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه والقرآن مملوء من إثبات الأسباب. وساق الكلام في ذلك. إلى أن قال ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغةً بل حقيقةً. ثم قال ويا لله تعالى العجب إذا كان الله تعالى خالق السبب والمسبب. وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجهٍ من الوجوه إلى آخر ما قال. وذكر العلامة البيضاوي عند الكلام على قوله تعالى) وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات (إنه تعالى قادر أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والمواد ولكن له تعالى في إنشاءها مدرجاً من حال إلى حال صنائع وحكماً يجدد فيها لأولي الأبصار عبراً وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس في إيجادها دفعة انتهى. وفيه إشارة إلى دفع شبهة الاستكمال بالغير ولزوم التسلسل فتأمل. ومن أقوى ما يستدل به على أن الله تعالى أودع في بعض الأشياء ما أودع كالنار أودع فيها قوة الإحراق لكنها لا تحرق إلا بإذنه قوله تعالى) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (فإن النار إذا لم يكن بينها وبين الماء فرق كما زعمت الأشاعرة سوى أنه جرت عادة الله تعالى بالإحراق عندها لأنها ولم تجر عادته سبحانه بالإحراق عند الماء بل جرت بالري أو الإغراق عنده لا به فهما سيان في الخلو عن قوة مودعة فيهما. لكان لها أن تقول يا رب أي شيء أودعت في حتى تقول لي كوني برداً وسلاماً ويدل على التأثير بالأذن قوله تعالى) وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله (بناءاً على أحد المذهبين في الاستثناء. وكذا يدل عليه غير ذلك مما يطول ذكره. وتأويل جميع ما ظاهره إثبات الواسطة خروج عن دائرة الإنصاف) ثم اعلم (أنه كثيراً ما يسأل في هذا المقام ويقال إن تأثير قدرة العبد إذا كان تابعاً لإذن الله تعالى ومشيئته الفعل تابعة لمشيئة الله تعالى فلم يشاء الله تعالى من العبد الكفر مثلاً ليشاءه العبد فتتعلق بها قدرته وتؤثر على وفق إرادته التابعة ثم يعذبه عليه يوم القيامة وهو سبحانه الذي سبقت رحمته غضبه أن لا تكون بذلك للعبد حجة على ربه عز وجل بأن يقول له سبحانه يا رب أنت الذي شئت كفري مثلاً وما لي بعد مشيئتك متأخر ومتقدم) فيقال (لا بد في الجواب من مقدمة وهو أن للأشياء المعدومة الممكنة ثبوتاً في نفس الأمر ومعنى كونها ثابتة في نفس الأمر أنها ثابتة في نفسها أي أن ثبوتها لا يتوقف على فرض فارض بل ثبوتها في نفسها متحقق من غير فرض وثبوتها في نفسها بهذا المعنى هو ثبوتها في علم الله تعالى باعتبار عدم مغايرته للذات وهذا أحد اعتباري العلم.) وثانيهما (أنه اعتبار ليس عين الذات وبهذا الاعتبار يقال العلم نابع للمعلوم دون الاعتبار الأول لأن التبعية نسبة تقتضي طرفين متمايزين ولو بالاعتبار ولا تمايز عند فرض عدم المغايرة اعتباراً بخلافه على الاعتبار الآخر لتحقق التمايز النسبي عليه المصحح للتبعية والمعلوم الذي يتبعه العلم هو ذات الحق تعالى بجميع شؤونه ونسبه واعتباراته. ومن هنا يقول المحققون علمه