ثم قال ما تسلك أنت في أفعال العباد. فقلت أسلك والحمد لله تعالى فيها مسلك السداد. وأختار واضعاً له على الرأس والعين. ما قاله في رسالته النظامية العلامة إمام الحرمين. فقد لصق من الصغر بقلبي. وغاص إذ كبرت في أعماق لبي. ومع ذا فأنا أسأل الله تعالى التوفيق لما يعلم سبحانه أنه أحرى. وأقوي سبباً للنجاة في الأخرى. هذا ولعلك تحب الاطلاع على مذهب ذلك الإمام. فاستمع لما نتلوه عليك من جليل الكلام.) فأقول (الناس في إثبات القدرة في العبد وتأثيرها ونفي ذلك مختلفون. فالجبرية. على نفي القدرة بالكلية. فلا فرق عندهم بين حركة الساقط من علو وحركة الماشي لقضاء أمر مهم مثلاً. وفي ذلك إنكار للوجدان. والأشاعرة على إثباتها مقارنةً للفعل ونفي تأثيرها ومدخليتها في إيجاد الفعل. وسمى معظمهم تلك المقارنة كسباً وهو في معنى نفيها إذ هي عندهم كاليد الشلاء فلا فرق بين مذهبهم ومذهب الجبرية معنى. ولذا سماهم بعض الخصوم مجبرة. والمعتزلة على إثبات القدرة في العبد مؤثرة بالاستقلال. فالعبد يفعل بها ما يشاء. وإن لم يشأ رب الأرض والسماء. والمحققون من أهل السنة كما قال الكوراني على إثبات قدرةٍ فيه خلافاً للجبرية مؤثرة خلافاً للأشاعرة بإذن الله تعالى لا استقلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإمام الحرمين في مبدأ أمره كان يرى رأي الأشاعرة الذي سمعت آنفاً. قال في الإرشاد واتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله تعالى ولا خالق سواه. وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرقٍ بين ما يتعلق قدرة العباد وبين ما لا يتعلق. فإن تعلق الصفة بشيءٍ لا يستلزم تأثيرها فيه كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير. فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلاً انتهى. ثم أنه رجع في النظامية إلى ما عليه المحققون وقد نقل ابن القيم كلامه في شفاء العليل. وقال إنه أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني ومن تابعهما إلى أن قال. ونحن نذكر كلامه بلفظه.) قال (قد تقرر عند كل حاظٍ بمقله مترقٍ عن مراتب التقليد. في قواعد التوحيد. إن الرب سبحانه وتعالى مطالب عباده بأعمالهم في حياتهم. وداعيهم إليها ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم. وتبين بالنصوص التي لا تتعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طلبهم به ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر. والانكفاف عن مواقع الزجر. ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام. ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به. ومن نظر في كليات الشرائع وما فيها من الاستمحاث والزواجر عن الفواحش الموبقات. وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات. ثم تلفت على الوعد والوعيد وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الأنباء عما يتوجه على المردة العتاة. من الحساب والعقاب. وسوء المنقلب والمآب. وقول الله تعالى لهم لم تعديتم. وعصيتم وأبيتم. وقد أرخيت لكم الطول. وفسحت لكم المهل. وأرسلت الرسل. وأوضحت الحجة. لئلا يكون للناس على الله حجة. وأحاط بذلك كله. ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم. واختيارهم واقتدارهم. فهو مصاب في عقله. أو مستقر على تقليده مصمم على جهله. ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب بما جاء به المرسلون. فإن زعم من لم يوفق لمنهج الرشاد أنه لا أثر لقدرة العبد في مقدره أصلاً. وإذا طولب بمتعلق طلب الله تعالى بفعل العبد تحريماً وفرضاً. ذهب في الجواب طولاً وعرضاً. وقال الله تعالى أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للاعتراض عليه المعترضون.) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (. قيل له ليس لما جئت به حاصل. كلمة حق أريد بها باطل. نعم يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ولكن يتقدس عن الخلف ونقيض الصدق. وقد فهمنا بضرورات المعقول. من الشرع المنقول. أنه عزت قدرته طالب عباده بما أخبر أنهم متمكنون من الوفاء به فلم يكلفهم إلا على مبلغ الطاقة والوسع. في موارد الشرع. ومن زعم أنه لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كما لا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة العبد بأفعاله عنده كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات وهذا خروج عن حد الاعتدال. إلى التزام الباطل والمحال. وفيه إبطال الشرائع ورد ما جاء به النبيون عليهم الصلوة والسلام. فإذا لزم الصبر إلى القول بأن