القدرة الحادثة تؤثر في مقدورها واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله فإن فيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة واقتحام ورطات الضلال. ولا سبيل إلى وقوع فعل العبد بقدرته الحادثة والقدرة القديمة. فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين إذ الواحد لا ينقسم. فإن وقع بقدرة الله تعالى استقل بها وسقط أثر القدرة الحادثة ويستحيل أن يقع بعضه بقدرة الله تعالى فإن الفعل الواحد لا بعض له. وهذه مهواة لا يسلم من غوائلها إلا مرشد موفق. إذ المرء بين أن يدعي الاستبداد وبين أن يخرج نفسه عن كونه مطالباً بالشرائع. وفيه إبطال دعوة المرسلين. وبين أن يثبت نقسه شريكاً لله تعالى في إيجاد الفعل الواحد. وهذه الأقسام بجملتها باطلة ولا ينجى من هذا الملتطم ذكر اسمٍ محضٍ ولقبٍ مجردٍ من غير تحصيل معنى. وذلك أن قائلاً لو قال العبد مكتسب وأثر قدرته الاكتساب والرب تعالى مخترع خالق لما العبد مكتسب له. قيل ما الكسب وما معناه. وأديرت الأقسام المتقدمة على هذا القائل فلا يجد عنه مهرباً. ثم قال فتقول قدرة العبد مخلوقة لله تعالى باتفاق القائلين بالصانع والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعاً ولكنه يضاف إلى الله تعالى تقديراً وخلقاً فإنه وقع بفعل الله تعالى وهو القدرة وليست القدرة فعلاً للعبد وإنما هي صفته وهي ملك لله تعالى وخلق له. فإذا كان يوقع الفعل خلقاً لله تعالى فالواقع به مضاف خلقاً إلى الله تعالى وتقديراً. وقد ملك الله تعالى العبد اختياراً يصرف به القدرة. فإذا أوقع بالقدرة شيئاً آل الواقع إلى حكم الله تعالى من حيث أنه وقع بفعل الله تعالى ولو اهتدت إلى هذا الفرقة الضالة لم يكن بيننا وبينهم خلاف ولكنهم ادعوا استبداداً بالاختراع. وانفراداً بالخلق والابتداع. فضلوا وأضلوا. وتبين تميزنا عنهم بتفريغ المذهبين. فإنا لما أضفنا فعل العبد إلى تقدير الله تعالى قلنا أحدث الله تعالى القدرة في العبد على أقدار أحاط بها علمه وهيأ أسباب الفعل وسلب العبد العلم بالتفاصيل وأراد من العبد أن يفعل فأحدث فيه دواع مستحثةً وخيرةً وإرادةً. وعلم أن الأفعال ستقع على قدرٍ معلوم فوقعت القدرة التي اخترعها للعبد على ما علم وأراد فاختيارهم واتصافهم بالاقتدار والقدرة خلق الله تعالى ابتداءً ومقدورها مضاف إليه مشيئةً وعلماً وقضاءاً وخلفاً وفعلاً من حيث أنه نتيجة ما انفرد بخلقه وهو القدرة ولو لم يرد وقوع مقدورها لما أقدره عليه ولما هيأ أسباب وقوعه ومن هدي لهذا استمد له الحق المبين فالعبد فاعل مختار مطالب مأمور منهي وفعله تقدير لله تعالى مراد له خلق مقضي) ونحن (نضرب في ذلك مثلاً شرعياً يستروح إليه الناظر في ذلك) فنقول (العبد لا يملك أن يتصرف في مال سيده ولو استبد بالتصرف فيه لم ينفذ تصرفه فإذا أذن له في بيع ما له فباعه نفذ والبيع في التحقيق معزو إلى السيد من حيث أن سببه أذنه ولولا أذنه لم ينفذ التصرف ولكن العبد يؤمر بالتصرف وينهى ويوبخ على المخالفة ويعاقب. فهذا والله الحق الذي لا غطاء دونه ولا مراء فيه لمن وعاه حق وعيه. وأما الفرقة الضالة فإنهم اعتقدوا انفراد العبد بالخلق ثم صاروا إلى أنه إذا عصى فقد انفرد بخلق فعله ولرب كاره له فكان العبد على هذا الرأي الفاسد مزاحماً لربه عز وجل في التدبير موقعاً ما أراد إيقاعه شاء الرب أو كره. ثم قال بعد ورقةٍ أو أكثر قد أطلت أنفاسي ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل لكان وحق القائم على كل نفسٍ بما كسبت أحب إلى من ملك الدنيا بحذافيرها طول أمدها قال ابن القيم انتهى كلامه بلفظه. وهذا توسط حسن بين الفريقين وقد أنكره عليه عامة أصحابه. منهم الأنصاري شارح الإرشاد وغيره وقالوا هو قريب من مذهب المعتزلة ولا يرجع الخلاف بينه وبينهم إلا إلى الاسم انتهى.) وقال (الشيخ السنوسي وما نقل عن إمام الحرمين من أن القدرة الحادثة تؤثر في الأفعال. لكن لا على سبيل الاستقلال. بل على أقدارٍ قدرها الله تعالى. فهو قول مرغوب عنه لا يصلح القول به ولا تقليده في ذلك لفساده قطعاً. وعدم جريه على السنة عقلاً ونقلاً. لأن القدرة الحادثة على مقتضى هذا القول أما أن يكون من صفة نفسها إيجاد الفعل الذي تتعلق به أولاً. فإن كان الأول لزم عند تعلقها بالفعل. أما سلب صفتها النفسية إن لم تؤثر في الفعل