ثم قال معتذراً عن الإطالة في المقال. وإنما أطلنا في هذا لأنه وقع في هذه القصيدة تحريف كثير للشراح وسببه أن أكثرهم لم يعتن بالأدب وناظمها كان ساكن الريح في عصره لم يرو عنه شعره. ومن طالع ديوانه عرف علو كعبه في هذه الصناعة انتهى كلامه. وكونه رحمه الله تعالى أكثر اطلاعاً في فن الأدب وأوفر ممارسة له من الشيخين عليهما الرحمة يأخذ بقلبي إلى اعتقاد أن الأمر كما ذكره. وقد يقال متى لم تصح روايته فالكل محتمل وإن كان قد اطلع رحمه الله تعالى على ما يثبت بها ما رواه فعليه المعول. فافهم والله تعالى أعلم.
وكثيراً ما يسأل عن قوله:
لو أريدوا في حال سبت بخير ... كان سبتاً لديهم الأربعاء
وقد كتب عليه من كتب. وذهب في توجيهه إلى ما ذهب.) ومنهم (علامة عصره. وعلامة الفضل في مصره. صالح أفندي محضر باشي زاده. أكرمه الله تعالى بالحسنى والزيادة. كما أكرمه بالشهادة.) وقد قال (الظاهر أن مراد الناظم رحمه الله تعالى أن اليهود لو أريدوا في مشروعية السبت بخير كان سبتهم الأربعاء أي كان اليوم الذي منعوا فيه من التصرف والبيع والشراء هو الأربعاء لما اشتهر على الألسنة وورد في بعض الأحاديث وإن كان ضعيفاً من نحوسته فترك التصرف فيه أوفق بالمصلحة. وأما يوم السبت فهو يوم مبارك على ما دلت عليه الأحاديث ويؤيد ما ذكرناه قول الناظم بعد هذا البيت:
هو يوم مبارك كان للقص ... ريف فيه من اليهود اعتداء
والله سبحانه وتعالى أعلم انتهى. ولا أقول ليس هذا مراده بل أقول إن هذا المراد لا يخلو عن شيء لما أن الملازمة في الشرطية عليه مبنية على ما اشتهر ولم يصح. وإن اعتبر مجرد الشهرة والورود مبني فقد ورد أن الله تعالى خلق النور يوم الأربعاء واشتهر في الجملة أنه ما بدى فيه أمر إلا وتم. فتأمل ذاك وافهم. ولا تستعظم. الاعتراض على الناظم. فإن الجواد قد يكبو. والصارم قد ينبو. كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
) ومنها (ما جرى في قول بعضهم:
أو ما تراني في مجال زلة العلى ... ملقي المديح متيماً بالمتعب
كهلال أول ليلة في مشرق ... وكشمس آخر ساعة في مغرب
فإنه سلمه الله تعالى سألني عن معناه. فذكرت له ما قبله وارتضاه. وأفادني أنه إلى نحوه ذاهب. وذكر له قصة جرت بين جملة من بني الأدب. قال كنت في البلد الأمين. سنة الألف والمائتين والثامنة والثلاثين. فاتفق في مجلسي جماعة من الأدباء. وجملة من أفراد فحول الشعراء. فنجم نجم السؤال عن معنى قول من قال. أو ما تراني الخ. فتحيرت سيارات سماء أفكارهم النيرة. وعرض لها نحو ما يعرض مما سوى الاستقالة للخمسة المتحيرة. فقلت أنا أوضح لكم المعنى بتشطير. وأغنيكم فيما يعنيكم بمنظومه عن منثور التقرير. فصدعت مشطراً وصدحت مفسراً وقلت:
أو ما تراني في محاولة العلى ... أطأ الثريا فوق صهوة أشهب
أمسي وأصبح في العذيب وبارق ... ملقي المريح متيماً بالمتعب
كهلال أول ليلة في مشرق ... سئم الخفا فبدا بأفق تغرب
أو مثل صبح جاء يخترق الدجا ... وكشمس آخر ساعة في مغرب
ففطنوا لمعنى كلامي. وكادوا يقبلون أقدامي. اه) وحاصل ذاك (أن الشاعر فيما قال. يشبه الهلال. من حيث أنه لم يسترح خفياً في المشرق. بل جهد بحسب ما يرى في السير نحو المغرب ليشرق. وكذا يشبه الشمس في المغرب آخر ساعة من النهار. من حيث أنها لم تبق كاسفة اللون حسبما تشاهدها الأبصار. بل جهدت في سراها. لتطلع فترتفع فيبهر ضياها. والذي يغلب على المشاعر. أن هذا هو ما أراد الشاعر. وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك. وخصر أهيف لا يعاب إذا رك. وكثيراً ما يستشهد بالهلال. في أمر الحل والارتحال. وما ألطف ما قيل من أبيات. هي لعمري على كثير من الطباع أبيات:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في بلدة فالرأي أن يتحولا
كالبدر لما أن تضأل جسد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا
ومثله كثير. ولعلك بذاك خبير.
) ومنها (ما جرى في مسألة سأل عنها بقوله:
أيا كعبة الأفضال لا زال فضله ... مطاف الورى في دفع أعظم شبهة
أتعلم أرض أربع من جهاتها ... غدت قبلة العباد من دون كعبة