وذلك أنه سلمه الله تعالى ذكر أنه من الأبيات المشكلة. فقلت نعم ولم أزد على ذكر اختلاف النقلة.) وأنا الآن (أنقل لك بعض ما قاله العلماء الأعيان.) فأقول (قد شرح ذلك العلامة ابن حجر. بما لا يكاد يقله ذهن بشر. وشرحه أيضاً الشيخ حسن البوريني بما زعم أنه التحقيق. وادعى الشهاب الخفاجي أنه تلزيق. وشرحه أيضاً من شرحه. وما كل من عالج مقفلاً فتحه. وهاك فيه ثلاثة أقوال. لا أظن الحق يتعداها بحال من الأحوال.) الأول (قول شيخنا العلي. علاء الدين أفندي الموصلي. قال قوله فكأن الغمامة الخ. جواب سؤال نشأ من البيت الذي قبله وهو فإذا ما ضحى الخ. كأن قائلاً يقول أين يذهب ظله وهو عليه الصلوة والسلام جسم يستتبع ظلاً في العادة. فأجاب بما هو من المقدمات الشعرية التي يقصد بها التخييل ولا تصديق فيها وإنما تذكر للقبض أو البسط. فقال كأن الغمامة التي أظلته إرهاصاً أخذت ظله يومئذ واستودعته أي جعلته وديعة عند الجيوش التي أظلت العالمين بظله فالجيوش أظلت العالمين بظله المستودع عندها من الغمامة والدففاء خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى من أي هي. وعلى هذا فلا قلاقة في البيت. وفي هذا البيت توجيهات غير وجيهة وهذا الوجه مثل الصبح ظاهر انتهى. فاختار غاية الرحمة كون الرواية استودعته بأبناء للفاعل وكون الضمير المنصوب للظل وكون من بميم ونون عبارة عن الجيوش أي جيوش المجاهدين وكون أظلت بالظاء المشالة مبنياً للفاعل وكون الدففاء بفائين لا بقاف وعين والكل مختلف فيه) والثاني (قول العلامة ذي الفضل الجليل الجلي. مولانا صالح أفندي الموصلي. وروي البيت هكذا:
فكأن الغمامة استودعته ... ما أضلت من ظله الدقعاء
) ونصه (قوله أضلت بالضاد المعجمة من الإضلال أي ضيعت والدقعاء بدال مهملة فقاف فاعل أضلت والمراد بها الأرض. ولما ذكر الناظم رحمه الله تعالى إظلال الغمامة له صلى الله عليه وسلم وأنه لا ظل له أراد بيان سبب ذلك فقال كأن الغمامة السوداء استودعته الخ. أي سألته أن يودعها ما ضيعته الأرض من ظله فظله الكريم قد جعل وديعة عند الغمام فلذا لم يقل على الأرض هذا حاصل ما أراده الناظم بهذا البيت على ما ظهر لي والله سبحانه أعلم انتهى. وهو ظاهر في أن الضمير المنصوب في استودعته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم دون الظل بل ما الواقعة مفعولاً ثانياً عبارة عنه فلا تغفل.) والثالث (قول الخفاجي بعد أن ذكر أن حسن البوريني استنبط الشطر الثاني هكذا) ما أضلت من ظله الدففاء (وبعد أن نقل ما قاله في معناه) ونصه (لم يصب فيما ذكره فإن البيت تحرف عليهم كلهم. وإنما هو هكذا:
فكأن الغمامة استودعته ... مذ أظلت من ظله الدقعاء
بمذ الجارة وبالظاء المشالة مجهول والدقعاء بدال مهملة وقاف وعين مهملة وهي الأرض. والمعنى أن الغمامة أعطيت ظلة الشريف أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أظل الأرض. من التراب حفظته صيانة له. وهذا معنى بديع وهو مرادة بلا شبهة لأن ما ذكره تلزيق لا يرضاه من له طبيعة شعرية. وقد قلت في هذا رباعية:
ما جر لظل أحمد أذيال ... في الأرض كرامةً كما قد قالوا
هذا عجب وكم به من عجب ... والناس بظله جميعاً قالوا
ثم ذكر أنه أنشد ذلك لشيخ الإسلام وأظنه ابن الكمال فأعجبه وأعجب من توارده معه في قوله بالتركية:
كرجه بي سايه درار سرو روان ... خوش كجر سايه سنده لبكي جهان
) ثم قال (ومثل هذا التحريف في هذه القصيدة ما أورده في المواهب اللدنية في قصة الغار:
أخرجوه منها وآواه غار ... وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ... ما كفته الحمامة الحصداء
فظن الحمامة واحدة الحمام وقال الحصداء شجرة كثيرة الورق استعارها للحمامة لكثرة ريشها وليس كما توهمه. وإنما هو الجنانة بالجيم ونون مشددة أي الحافظة والجنة المراد بها الدرع أيضاً كما ذكره أهل اللغة.
وهذا كقوله في البردة:
رقابة الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من ألاطم