وإنما ذكرت ما ذكرت. وحررت ما حررت. ليعرف من لم يعرف إلام انتهت في هذه الأرجاء الطريقة النقشبندية. وكيف اعتاض اليوم السالكون فيها بالسهي عن الشمس المضيئة. فيعلم أن الزمان قد وهنت قواه. وأنه قد انحنى إلى أن كاد يلتقي طرفاه. وقد رأيت أكثر العاكفين عليه هناك أكراداً. ينتظرون موت أرباب الوظائف ممن كانوا في بغداد. لينتهبوا وظائفهم بأيدي همته. ورجائه من الوزراء والكتبة المترددين إلى تكيته. وعلى العلات. هو أحسن من أكثر أهل التكيات. فإنه مستقيم على أداء رسوم العبادة آناء الليل وأطراف النهار. ولعمري لولا فناؤه بح الدرهم لأضحى وهو ابن دينار. ولقد دفع بصدره هذا الفناء وصده عن الانتظام في سلك أرباب البقاء. كان الله تعالى لنا وله. وأصلح لكل منا عمله.
) ومنهم النازل من قلبي منزلة ولدي. ولي أفندي بن عمر أفندي بن ولي أفندي (. وهو شاب في طاعة الله نشأ. وعلى ما يرضيه عز وجل درج ومشى. وهو من بيت بيننا وبينهم حقوق قديمة. ومودة أكيدة عظيمة وإذا استخبرت عنها الأنباء. علمت أن قد ورثتها الآباء والأبناء. وقد قرأت على والده وأنا في سن عشر علم الاشتقاق. وكان إذ ذاك أحد الطلبة المشهورين في العراق. وقد رأيت هذا الولد في إسلامبول. يدعي كثيراً رؤية الرسول. صلى الله تعالى عليه وسلم. وشرف وعظم وكرم. ويروى عنه عليه الصلوة والسلام أخباراً بحوادث كونية. وذلك مع نسكه من أقوى الأسباب لاحترامه بين أكثر أهل القسطنطينية. وله دعاوٍ أخر في الرؤيا. أظن أنها ستبلغه هناك الرتبة العليا. وكان جده كاتب الديوان عند سليمان باشا الصغير. وكان ذا عقل على ما سمعت من المرحوم والدي كبير. وقد أدى هذا الولد المومى إليه. جزاه الله تعالى خيراً حق مشيختي عليه. فأنه قرأ علي في بغداد المحمية. طرفاً من شرح الجلال السيوطي للألفية. وهو طاهر الذيل. مجاهد لكافر الليل. لم يكسب أهل العراق عاراً. ولم يجلب عليهم كبعض الناس شناراً. فليفخر به أهل بلدته وناديه. وليفدوا شسع نعله بلحية شاليه.
) ومنهم (آخرون من هذا القبيل. أخشى من ذكرهم زيادة التطويل.) واجتمعت بآخرين (. ولا أقول من هم. مخافة أن يتمعر وجه القرطاس أو تصيبه معرة منهم. مساويهم كواو عمرو ترى واللفظ عنها قصير. ومعاليهم كنون زيد تقال في اللفظ لكن لا يراها بصير. فلنطو كشحاً عن ذكرهم إلى أن تذهب القدرة الإلهية بالحرج. وتأتي سحائب الرحمة اللدنية بوابل الفرج. وإن ممن اجتمعت به من لو غير اسمه إلى اسم غير شريف. وسمي باسم لائق بلحيته التي هي أنجس من ممسحة الأستاه في كنيف. للامني على ذكره الناس. ولنجس ذكره القلم والمداد والقرطاس. على أن كل ما أذكر من قبح فعله وخيمه. فهو عشر العشر مما يعرفه فيه أهل إقليمه. أسأل الله تعالى أن يستر جيفته بطبقات التراب. وأن لا يجعل حفرته حول روضة مؤمن بيوم الحساب.
) وقد آن (أن أذكر ما وقع لي من المراسلات ونحوها في هاتيك البطاح. وقد ذهب مني أكثرها لمزيد عواصف الأكدار المذهلة أدراج الرياح.) فأقول (أني بعد أن قر بي القرار. بلغني عن بغداد ما يوجب الأكدار. من أمور أرضية وسماوية. وداخلية وخارجية. جعلت لفرط البلبال. تقول بلسان الحال:
ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد
فتسرد من حبائل أهدابي واقع السهاد. وطار من قفص صدري طائر الفؤاد. فكتبت لصبيتي. مما فيه شرح صبوتي. أبياتاً أكثرها من شعر جدي. وقليل منها من عندي. وذلك لقلة تدربي بالنظم. وأنه لا يعد سارقاً من يأكل من طعام الأب والجد والعم. هي وهذه:
أبيت ولي وجد حرارته تعلو ... ودمع له في عارضي عارض هطل
وأطوي على جمرٍ وأغضي على قذى ... وأشغل أعضائي وقلبي له شغل
إذا الليل وافي ضقت ذرعاً إلى الحمى ... وفاضت شؤون ليس يعقلها عقل
حداني إلى الزوراء شوق مبرح ... فليس الذي حدثت عن حالها سهل
إذا ما نبت دار السلام بأهلها ... فلا جبل يأوي الكرام ولا سهل
وإن قلص الظل الذي في جنابها ... فأين من الرمضاء في غيرها ظل
وإن نضب الماء النمير بأرضها ... فأي شرابٍ في سواها لنا يحلو
ديار بها نيطت على تمائمي ... قديماً ولي فيها نما الفرع والأصل