نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد جلد : 1 صفحه : 131
وما أنسى لا أنسى خروج هذا النجل السعيد، إلى المصلى صبيحة ذلك العيد الذي كان وجهه في عيد، في مركب نبيل من وجوه عبيد، متنافس في فخورة الملابس محففين من أداة الفوارس، يحفونه حف النجوم بالقمر الأضحيان، وقد ركب بين يديه صنوف من العبيد، وألوف من أبطال الجنود، تضيق بهم الفجاج، وتزخر في بحر الحديد منهم الأمواج، وقد أشرق ذلك اليوم بإشراق غرته، وتبلج صباحه من تبلج أسرته، ولاح الصبحان فكان الفضل لنور جبينه، وغسق طرته، فبهر كماله وتجملت حاله، ورزق من أعين الناس قبولا، واستبانوا منه على علو صيته ذكاء وتهذبا، في شخص حسن الخلق، ساجى الطرف، لين العطف، يقظ الحس، تشهد مخايله بما تحتها من ذكاء وفطنة، تحمل من نتائجها، من لدن صباه، نوادر شاهدة بنهاه، وقد كان الناس انتشروا حفافي طريق السلطان مستبقين إلى لقائه، يسبق راكبهم راجلهم، إلى أن أقبل في كتائبه، معبأة يروق منظرها وهم يستقدمون إلى المركب الذي هو فيه فوجا بعد فوج، ركبانا ورجالاً، وقد وكل طرفه بملاحظتهم، وسمعه بأسماعهم، فقسم بين وجوههم من إمساك عنانه وطلاقة وجهه بل بشره وجميل رده ما ملأهم مسرة، وبجلهم مبرة، ولم يسئموا من مسايرة كوكبه، وتكرير معاينته، وإعلان الدعاء له ونثر الثناء عليه، إلى أن نزل منزله من المصلى، وذلك القطر قد راق محضره، واجتمع باديته وحضره، وأبدع في الجمال مراءه ومنظره، والنهر قد تدفق ماؤه، والزهر قد مدت ملاؤه، والربيع قد بدت كبرياؤه وخيلاؤه، والجميع قد جمعتهم آلاء الله ونعماؤه، وشهدت بصدقهم إلى يومهم أرضه وسماؤه، فقضيت الصلاة والخطبة وحانت الوقفة للبيعة والوثبة، وضربت الطبول فمادت الأرض لرعودها وقفلت الجنود، فرجفت الجبال لحدورها وصعودها، وقيدت الجنائب من كرام خيول القادة، وقالوا جميعا على اليمن والسعادة، وأقبل السلطان وقد اجتلوا من غرته السعيدة البدر في الكمال، وعاينوا من هيبته في حال بنوته ليثا أبا الأشبال:
أرق من الماء الذي في حسامه ... طباعا وأمضى من شباه وانجد
له سورة مكتنة في سكينه ... كما أكتن في الغمد الجراز المهند
ونهض والعيون إليه رامقة، والقلوب له وامقة، وعذبات الألوية على عذباته خافقة، وكل علم منها بيد علم، ومن أشبه أباه فما ظلم، وصار الركاب لميمون، والنصر يقدمه والأقدار تسعده والسعود تخدمه:
بعسكر تشرق الأرض الفضاء به ... كالليل أنجمه القضبان والأسل
لا يمكن الأرض منه أن يحيط به ... ما يأخذ السهل من عرضيه والجبل
وكان عيدا سعيدا، مبديا في الجمال والإجمال معيدا، لم نزل نميس في جديد خلعه ونتأنس بحسن منزعه ونتبهنس بين مرتع ذلك القطر ومربعه، وركب السلطان أثر صلاة العصر ثاني يوم عيد الفطر في جيشه اللهام، ذي العدد القمقام، فركبت أنا وصاحبي في موكبه، وركنت إلى جميل مواخاته، وكريم مذهبه، وسرنا وسار الركاب السعيد يحمل جواده الكريم عن المقام الكريم، طود حلم وأسجاح، وليث بسالة وكفاح، وبحر جود وسماح، وبدر دجنة تسربل ثوب صباح، رأيه الرشيد وعزمه المنصور وسيفه السفاح:
كأن الله خيره فسوى ... خلائقه الحسان كما اشتهاها
فبرز إلى الميدان على تعبية رائعة رائقه في إعداد تكاثر الحصا فائقة من جرد مسومة، قب مطهمة، قد صففت على مخائل سبقها ورتبت على منازل عتقها من كل أشهب بالمصباح مجلل، وأدهم بالظلام مسربل وأصفر كسى قميص ورس وأشقر خلع عليه رداء شمس وأشعل، مزج ماؤه وأبلق خلط ليله بنهاره:
خيل مسومة غر محجلة ... من اللواتي تفوت الوهم والنظرا
كأنما هي في المضمار جائلة ... ريح الصبا قابلت من ريحه المطرا
نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد جلد : 1 صفحه : 131