responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد    جلد : 1  صفحه : 118
فكأنما كانوا في حندس ليل قاتم. فتجلى عن ضياء فجر ساطع فالأحكام به باهرة والأيام بسيرته زاهرة، والأنام في دولته تشملهم نعم باطنة وظاهره:
ترى عظماء الناس من خوف لحظه ... كأنهم الكروان أبصر بازيا
وما الخرق منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ما هيا
هيبة التقوى لا هيبة الأقوى وخوف الجلال لا خوف الإذلال، وتلوح في أغطاف منطقه شيم الندا ومخائل الفضل، دخلت عليه وقد صرفتني الريح عن وجهتي الغربية من مواسطة البحور، وعرفتني الحوادث فأنكرتني معارف الجدة والوفور، ومكثت في مكابدة الأسفار ومعاناة البحار عدة من الليالي، ومدة من الدهور، فرفعت له من نظمي قصيدة ضادية حكت نسجها حاكيا، ولكت فيها الزمان شاكرا وشاكيا، فتقبلها بقبول حسن وأيقظ لها اعتناءه ولم يكن ذا وسن وإن كانت مزجاة البضاعة مستوجبة الإضاعة فعين الرضى كليلة عن كل عيب لا يرتضى، وقد أثبتها في ديوان شعري، وربما والله أعلم أجادها فكري. فإنه رأيته يقرأها ويتمايل طربا ويردد ألفاظها استحسانا وعجبا وسمعت الناس يقولون إنها حسنة فلا أدري أصدقا أم كذبا، وكيف ما كانت فقد جعلها الله لانتفاعي به سببا، وإن كنت كتبتها بالمداد فقد ملأ يدي فضة وذهبا، وأمر لي مع ذلك بجراية نفقتي وراتبي في كل يوم مدة إقامتي بالإسكندرية ومكثت كذلك تحت نائل جرايته، وطائل عنايته، إلى أن افتصلت عنه مسافرا وودعته خجلا من فضله سافرا. فرحا برفده، مفصحا بحمده، متزودا من عنده فسمعت عليه بمنزلة ومجلس حكمه من الإسكندرية المحروسة بلفظ إمام لمحدثين معين الدين بي عبد الله المصغوني المتقدم الذكر، وبفقد الرواية عنهما جميع تاريخ الرقة للحافظ أبي علي القشيري الحراني الرقي وحدثني به عن الشيخ الإمام أبي عمران موسى بن عثمان بن محمد البزاز سماعا منه عليه، قال حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن لبي يعقوب يوسف بن همة لله بن محمود بن الطفيل الدمشقي قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر احمد بن محمد السلفي، قال أخبرنا المبارك ابن عبد الجبار بن احمد الصيرفي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي، قال: أخبرنا أبو احمد محمد بن عبد الله بن احمد بن القاسم بن جامع الدهان قال: حدثنا أبو علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى بن مرزوق القشيري الحراني حافظ الرقة بالرقة، قال الإمام معين الدين المصغوني القارئ المذكور وهو في إجازتي من الشيخ أبي عمران موسى بن عثمان بن محمد البزاز المذكور وقد سمعت عليه غيره من مروياته وكتب تدريسه المتداولة بين يديه في الحديث والفقه رواية وتفقها، وأجازني الإجازة التامة المطلقة العامة متلفظا لي بها غير مرة وكاتبا بخطه، ثم شرع الركب المغربي في السفر وانقلب مقضي الحاجة فائزا بالظفر فاشتاق أخي محمد إلى المواطن الأندلسية الكريمة ورأى أن يرجع بما سن الله تعالى له من الغنيمة فآثرت مذهبه في ذلك ورأينا أن لا تنقطع عن الأهل المنقطعين هنالك فصرفتني المقادير عن صحبته وقضت بقفوله وتسنى سفره مغربا على بغيته وسؤله، ورحل ولا تسأل عن بقائي بعد رحيله، ورجوعي من وداعه إلى موطئ قعوده ومواطن حلوله:
فلم أر أنسا قبله عاد وحشة ... وبردا على الأحشاء عاد غليلاً
ومن تك أيام السرور قصيرة ... به كان ليل الحزن منه طويلا
ويا لساعات التوديع ما أشد كربها وأحد غربها، وأكثر إلهابها للخلد، وإذهابها بالجلد فصدر ووردت واجتمع وانفردت وعدت إلى منزلي:
ولو جدي من العروض بسيط ... ومديد وافر وطويل
ولم أكن عارفا بهذا إلى أن ... قطع القلب بالفراق لخليل
أدري دمع العين، وآسى لشمل لا ينفك من روعة البين، وأفكر في عهد كنت إليه استمنت، ولعيني في ظله أنمت، فما برحت الأيام حتى أخلقت برده وعلقمت شهده وأتته من بابها وعضته بنابها:
ورجعت من تشييعهم ... وقد علاني خبل
وكل من خاطبني ... قلت له قد رحلوا
يقول من أبصرني ... وسوس هذا الرجل
فلقد أصابني لفراقهم ما أنه:
لو كان بالفلك الدوار لم يدر ... أو كان بالماء لم يشرب من الكدر

نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد    جلد : 1  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست