كان الذي خفت أن يكونا ... إنّا إلى الله راجعونا
فوضع على أعواده، وودع من القلب بسويدائه ومن العين بسواده، وصلي عليه ببلنسية، ودفن بمرسية، فانقرض الكلام بانقراضه، وبكت البلاغة على أغراضه، وقد اثبت من نثره ما ترده عذباً نميراً، وتروده روضاً نضيراً، فمن ذلك رقعة كتب بها إلى المعتصم بالله صاحب المرية رياسته يصف العدو العائث بجزيرة الأندلس، كتابي أعزك الله وقد ورد كتاب المنصور ملاذي المعتد بك أيدك الله وقد أودعه ما أودع من حيات، ولم يدع مكاناً لمسلاة، فإنه للقلوب موذ، وللعيون مقذ، وللظهور قاصم، ولعرى الحزم فاصم، فليندب الإسلام نوادبه، وليبك له شاهدة وغائبة، فقد طفي مصباحه، ووطئ ساحه، وهيض عضده ثمده، إلى الله نفرغ، وإليه نضرع، في طارق الخطب ومنتابه، ولا حول ولا قوة إلا به، هو فارج الكروب، وناصر الحروب، وعالم الغيوب، ولا رب سواه، وذلك أن فرديناند وقمه الله نزل على قلعة أيوب محاصراً لمن فيها، ومغيراً على نواحيها، بجموع يضيق عنها الفضاء، وتتساقط لملاحظتها الأعضاء، وأنه قد بنى على قصد جهاتنا، ووطئ جنباتنا، إلا أن يدارا الله في نحره، ويحمي من شره، وغرسيه دملارة الله بسرقسطة كذلك وزميرا أهلكه بوشقة وما والاها ينكي، بما يبكي، والمسلمون بينهم سوام ترتع، وأموالهم نهب توزع، والقتل يأخذ منهم فوق ما يدع، فاطل الفكرة في هذا الحزم الداخل، والبلاء الشامل، وأسبل العبرة، وأطل العبرة، والله المرجو لتلافي الأمة، وكشف هذه الغمة، بمنه، وله مراجعاً إلى المأمون، ذي المجدين ابن ذي النون.. الآن أيدك الله عاد الشباب خير معاده، وأبيض الرجاء بعد سواده، وترك الزمان فضل عنانه، فلله الشكر المردد بإحسانه، وافاني أعزك الله لك كتاب كريم كما طرز البدر النهر، أو كما بلل الغيث الزهر، طوقتني به طوق الحمامة، وألبستني ظل الغمامة، وأثبت لي فوق النجوم منزلة، واراني الخطوب نائية عني ومعتزلة، فوضعته على رأسي إجلالاً، ولثمت كل سطوره احتفاء واحتفالاً، وناولنيه الوزير الكاتب أبو الحسن عبدك ونصيحتك اعزه الله وبشر بدنو الدار، واشار إلى ما لديك كما يشار إلى النهار، واخبرني عن ذلك المجمل بغاية الأمل، ويعلم الله أني ما أعدني لك الشيعة، ولا أرى ودك إلا د يناً وشريعة، فإنك الموثوق بوفائه وشرفه، والمسكون إلى برد أمنه وطرفه،