به بدئ البيان وختم، ولديه ثبت الإحسان وارتسم، وعنه افتر الزمان وابتسم، واستقر الملك لديه، استقرار الطرس في يديه، واختال التاج بمفرقه، اختيال اليراع في مهرقه، وتمنى المسك أن يستمده، كما رجا القطر أن يمده، إن جد رأيت الطود وقارا، وأن هزل خلته يعاطيك عقارا، إلا ان نكباته تتابعت ولاء، وأعقبت الانتهاب جلاء، فخلع عن سلطانه وما سوغ المقام في أوطانه، وكانت له تنديدات تنفذ المجن، وتدرك كالليل إذا جن، يرسلها إلى الغرض فتصميه، وينكابها القرح فتدميه، عدت من هناته، ومحت أكثر حسناته، ودعت إلى رفضه، وسعت في نقضه، فبقي في قبضة ابن عمار محبوساً، ولقي من دهره المبتسم عبوساً، واشتدت عليه المحن، وبدت إليه تلك الأحن، إلى أن سعى له الوزير الأجل أبو بكر بن عبد العزيز، وسكن من ذلك الأزيز، فتسنى انطلاقه، وانفرجت أغلاقه، وعندما خلص من ذلك الثقاف، خلوص القناة من الثقاف، جنح إلى الاستقرار ببلنسية حضرة الوزير الأجل ابي بكر، جنوح الطائر المنتشل إلى الوكر، فلقي السعد إليه آتياً، ونزل على آل المهلب شاتياً، فوجد ما أراد، واحمد المراد، ودعا أبا بكر لما شاء فأجاب، وأراه زمن بشره الأفق المنجاب، فأقام بين مبرات والطاف، وجنى لما أحب وقطاف، إلى أن دار ببلنسية ما دار، وعطل العدو دمره الله ذلك القطب المدار، فعلقته حبالة الأسر، واتبع هيضه بالكسر، ولم يزل يكشف للعدو دفينه ويجدف، والموج يعوق سفينه ويصرف، إلى ظأن هبت ريحطه فجرى، وتسنّى تسريحه فأدلج وسرى، ووافى شاطبة خالياً إلا من الوجد، عارياً غلا من المجد، وقد انتشى من الذل، فأوى إلى الظل، وأقام مشتملاً بالخمول، موملاً غير المأمول، إلى أن برئت بلنسية من آلامها، فبادر إلى استلامها، وعاد إليها عود الحلي إلى العاطل، وأنجز له قربها بعد وعد من مماطل، فحل بها حلول الهائم في وصل الحبيب المسعد، وأنشد، ويجمعنا شتى على غير موعد، ولزم مطلعه متوارياً، وأقام بها ثابتاً لا سارياً، لم يطا رقعة أرض، ولا خرج لأداء سنة ولا فرض، حتى أدرج في كفنه، وأخرج إلى مدفنه، شهدت وفاته سنة سبع وخمسمائة وقد نيف على التسعين، وجف ماء المعين، وحين قضى دخل عليه الوزير أبو العلاء ابن ازرق شبيهه في التعمير، وحليفه منذ خلع عن تدمير، وهو يبكي ملء عينيه، ويقلب على مافاته.