وفضلها، قالوا: أين يدفن النبي، صلى الله عليه وسلم؟ فما وجدنا عند أحد من ذلك علمًا، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه". قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحد من ذلك علمًا، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة".
قال الأصمعي: الهيض: الكسر للعظم، والاشرئباب: رفع الرأس.
قال بعض العلماء: وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- فقال بعضهم: ندفنه بمكة بلده الذي ولد بها، وقال آخرون: بل بمسجده، وقال آخرون: بل بالبقيع، وقال آخرون: بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء، حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من علم قال ابن زنجوية: وهذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار، ورجعوا إليه فيها.
وأخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبد الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رددت جيشًا وجهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا حللت لواء عقده، فوجه أسامة، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوهم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وأخرج عن عروة قال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه: "أنفذوا جيش أسامة"، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثقل فلم يبرح حتى قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قبض رجع إلى أبي بكر، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإني معي سروات[1] الناس وخيارهم، فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلى من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعثه.
قال الذهبي: لما اشتهرت وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم، فقال: والله لو منعوني عقالاً أو عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها [1] سروات الناس: أي أشرافهم ومفردها سَرِيٌ. النهاية في غريب الحديث "363/3".