نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 674
الطّاهرة وأهل وداده المتزوّدين بالتّقوى من خير أزواده، والمراغمين بسيوفهم من جاهر بمكابرة الحقّ وعنادة، وأراد في الدّين بظلمه وإلحاده، حتّى استقام الميسم [1] في دين الله وبلاده، وانتظمت دعوة الإسلام أقطار العالم، وشعوب الأنام، من عربه وعجمه وفارسه ورومه وتركه وأكراده. صلّى الله عليه وعليهم صلاة تؤذن باتّصال الخير واعتياده، وتؤهّل لاقتناء الثّواب وزيادة، وسلّم كثيرا، وعن الأئمّة الأربعة [2] ، علماء السّنة المتّبعة، والفئة المجتباة المصطنعة، وعن إمامنا من بينهم الّذي حمل الشريعة وبيّنها، وحرّر مقاصدها الشريفة وعيّنها، وتعرّض في الآفاق منها والمطالع، بين شهبها اللّوامه، فزيّنها. نكتة الهداية إذا حقّق مناطها، وشرط التّحصيل والدّراية إذا روعيت أشراطها، وقصد الرّكاب إذا ضربت في طلب العلم آباطها [3] ، عالم المدينة وإمام هذه الأمة الأمينة، ومقبس أنوار النّبوّة من مشكاتها المبينة، الإمام مالك بن أنس. ألحقه الله برضوانه، وعرّفنا بركة الاقتداء بهداه وعرفانه، وعن سلف المؤمنين والمهتدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أما بعد فإن الخلق عيال الله يكنفهم بلطفه ورحمته، ويكفلهم بفضله ونعمته، وييسّرهم لأسباب السّعادة بآداب دينه وشرعته، ويحملهم في العناية بأمورهم، والرّعاية لجمهورهم، على مناهج سنّته ولطائف حكمته. ولذلك اختار لهم الملوك الذين جبلهم على العدل وفطرته، وهداهم إلى التّمسّك بكلمته. ثم فضّلهم بما خوّلهم من سعة الرزق وبسطته واشتقاق التّمكين في الأرض من قدرته، فتسابقوا بالخيرات إلى جزائه ومثوبته، وذهبوا بالدّرجات العلى في وفور الأجر ومزيّته.
وإنّ مولانا السّلطان الملك الظّاهر، العزيز القاهر، العادل الطّاهر، القائم بأمور الإسلام عند ما أعيا حملها الأكتاد [4] ، وقطب دائرة الملك الّذي أطلع الله من [1] الميسم: الجمال. [2] هم المجتهدون أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة: (مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل) . [3] يشير الى الحديث: «تضرب أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة» ، وسيأتي له بعد. [4] جمع كتد، وهو مجتمع الكتفين من الإنسان. ويقال: خرجوا علينا اكتادا وأكدادا أي فرقا وأرسالا.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 674