نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 672
مدارج القبول أعماله، ويبلّغه في الدّارين آماله، ويجعل للحسنى والمقرّ الأسنى، منقلبه ومآله، ويديم على السّادة الأمراء نعمته، ويحفظ على المسلمين بانتظام الشّمل دولتهم ودولته، ويمدّ قضاة المسلمين وحكّامهم بالعون والتّسديد، ويمتّعنا بانفساح آجالهم إلى الأمد البعيد، ويشمل الحاضرين برضوانه في هذا اليوم السّعيد، بمنّه وكرمه.
وانفضّ ذلك المجلس، وقد شيّعتني العيون بالتّجلّة والوقار، وتناجت النّفوس بالأهلية للمناصب، وأقمت على الاشتغال بالعلم وتدريسه إلى أن سخط السلطان قاضي المالكية يومئذ في نزعة من النّزعات الملوكية، فعزله، واستدعاني للولاية في مجلسه، وبين أمرائه، فتفاديت من ذلك، وأبى إلّا إمضاءه. وخلع عليّ، وبعث معي من أجلسني بمقعد الحكم في المدرسة الصّالحية [1] في رجب ستّ وثمانين وسبعمائة، فقمت في ذلك المقام المحمود، ووفّيت عهد الله في إقامة رسوم الحقّ، وتحرّي المعدلة، حتّى سخطني من لم ترضه أحكام الله، ووقع من شغب أهل الباطل والمراء ما تقدّم ذكره.
وكنت عند وصولي إلى مصر بعثت عن ولدي من تونس، فمنعهم سلطان تونس من اللّحاق بي اغتباطا بمكاني، فرغبت من السّلطان أن يشفع عنده في شأنهم، فأجاب، وكتب إليه بالشّفاعة، فركبوا البحر من تونس في السّفين، فما هو إلّا أن وصلوا إلى مرسى الإسكندريّة، فعصفت بهم الرّياح وغرق المركب بمن فيه، وما فيه، وذهب الموجود والمولود، فعظم الأسف، واختلط الفكر، وأعفاني السلطان من هذه الوظيفة وأراحني، وفرغت لشأني من الاشتغال بالعلم تدريسا وتأليفا.
ثم فرغ السلطان من اختطاط مدرسته [2] بين القصرين، وجعل فيها مدافن أهله، وعيّن لي فيها تدريس المالكيّة، فأنشأت خطبة أقوم بها في يوم مفتتح التّدريس على عادتهم في ذلك ونصّها:
«الحمد للَّه الّذي من على عباده، بنعمة خلقه وإيجاده، وصرّفهم في أطوار استعباده بين قدره ومراده، وعرّفهم أسرار توحيده، في مظاهر وجوده، وآثار لطفه في وقائع [1] نسبة إلى بانيها الملك الصالح نجم الدين أيوب. [2] هي المدرسة الظاهرية، وتسمى البرقوقية أيضا. عهد في بنائها الى الأمير جهركس الخليلي، فشرع في بنائها سنة 886، وأنهاها سنة 888.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 672