نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 621
الّذي لا يدرك ساحله، ولا يبلغ الطّية [1] البعيدة راحله، إلى الوادي، وسمر النّوادي [2] ، وقرار دموع الغوادي [3] ، للتّجاسر على تخطّيه، عند تمطّيه [4] ، الجسر العادي، والوطن الّذي ليس من عمرو ولا زيد، والفرا الّذي في جوفه كلّ صيد [5] ، أقلّ كرسيّه خلافة الإسلام، وأغار بالرّصافة [6] والجسر دار السّلام [7] ، وما عسى أن تطنب في وصفه ألسنة الأقلام أو تعبّر به عن ذلك الكمال فنون الكلام.
فأعملنا إليها السّرى والسّير، وقدنا إليها الخيل قد عقد الله في نواصيها الخير [8] . ولما وقفنا بظاهرها المبهت المعجب، واصطففنا بخارجها المنبت المنجب، والقلوب تلتمس الإعانة من منعم مجزل، وتستنزل مدد الملائكة من منجد منزل، والرّكائب واقفة من خلفنا بمعزل، تتناشد في معاهد الإسلام:
«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل [9]
برز من حاميتها المحامية، ووقود النّار الحامية، وبقية السّيف الوافرة على الحصاد النّامية، قطع الغمائم الهامية، وأمواج البحور الطّامية، واستجنّت [10] بظلال أبطال المجال، أعداد الرجال، الناشبة [11] والرامية، وتصدّى للنّزال، من [1] الطية: الناحية. [2] السمر: الحديث بالليل. والنادي: المجلس، والجمع الصحيح: أندية. [3] الغاد: السحابة تنشأ فتمطر غدوة، والجمع غواد. [4] تمطية: امتداده. كنى به عن امتلاء النهر بالمياه أيام الشتاء. [5] الفرا: الحمار الوحشي، وهو من أعظم ما يصطاده الناس، وفي الكلام إشارة إلى المثل: «كل الصيد في جوف الفرا» الّذي يضرب لما يفضل على غيره. ميداني 2/ 55. [6] الرصافة: قصر بناه عبد الرحمن الداخل، في الشمال الغربي لقرطبة، واتخذه لسكناه، نقل إليه من الشام كثيرا من أشجار الفاكهة والأزهار، وسماه باسم رصافة جده هشام بن عبد الملك. معجم البلدان 4/ 257. [7] يريد بغداد، وسماها مدينة السلام أبو جعفر المنصور، وكان ذلك سنة 146 هـ. انظر تاريخ بغداد 1/ 66- 67. [8] اشارة الى حديث البخاري: «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة» . الجامع الصحيح 4/ 187 طبع الاستانة.
[9] مطلع المعلقة المشهورة لامرئ القيس. [10] استجنت: استترت. [11] الناشبة: قوم يرمون بالنشاب، وهي السهام.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 621