نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 281
ومن آيات ذلك، أننا نجد قبيلة واحدة، فيها بادية وفيها حاضرة، استقرت وتحضرت وسكنت في بيوت ثابتة، لا يهمنا أكانت بيوتها من صخر أم من حجر أم من مدر أم من بيوت شعر, إنما المهم أنها بيوت ثابتة ارتبطت بالأرض، شعر قطانها أن لهم صلة بهذه الأرض وأن لهم بها رابطة، لا يحل عقدها إلا الموت أو الضرورات القصوى، فقريش حاضرة وبادية، وجهينة حضر، أقاموا بينبع وقرية "الصفراء"، وأعراب هبطوا رضوى و"عَزْوَر"[1]. و"همدان" حاضرة وبادية, ونهد حضر، وهم من سكن الصفراء منهم، وأهل وبر، وهم من سكن دون المدر في جبلي رضوي وعزور[2]. وتنوخ حضر، وتنوخ أهل بادية وتنقل, إلى غير ذلك من قبائل استقرت أحياء منها، وتبدت أحياء أخرى منها.
ثم إننا نجد قرى منتشرة في مواضع من العربية الغربية وفي نجد والعربية الشرقية أو العربية الجنوبية، وقد سكنها قوم عرب حضر زرعوا وحفروا لهم الآبار وتعهدوا العيون بالرعاية ليستفيدوا من مياهها، وجاءوا بأشجار من الخارج لزرعها هناك. وفي كتب "الهمداني" و"عرام"، وكتب غيرهما ممن بحث عن جزيرة العرب أسماء قرى ومدن جاهلية، كانت ذات مزارع وحدائق، أما اليوم، فبعضها أثر, وبعض منها قد زال وذهب مع الذاهبين، لم يترك له حتى بقية من أثر. وتلك المواضع هي دليل في حد ذاته على أن الماء إذا وُجد في مكان ما أكره سكانه على الاستقرار به، وأجبر قسمًا من أهله على الاشتغال بالزرع. ولم ينضب الماء من تلقاء نفسه عن المواضع التي اندثرت وماتت وإنما وقعت أحداث لا مجال لي للبحث عنها في هذا المكان، ومنها الهجرة إلى خارج جزيرة العرب بالفتح وتحول الطرق التجارية العامة وإعراض الحكومات عن الاهتمام بشئون جزيرة العرب ونحوها, فأكرهت السكان على الارتحال عنها، فأهملت آبارها وترستها الرمال فجفت وذهب ماؤها عنها.
وفي تلك المواضع التي توفرت فيها المياه, من مطر وعيون وآبار ومياه جوفية [1] بفتح العين وسكون الزاي وفتح الواو، اللسان "4/ 563"، "عزر"، عرام، أسماء جبال تهامة "8 وما بعدها". [2] عرام "7".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 281