نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 280
عطفت على اليماني وعلى العربي الجنوبي، ففوَّقته على الأعراب.
ولما كانت طبيعة الجفاف هي الغالبة على جزيرة العرب, كان لهذه الطبيعة أثرها في حياة العرب، فغلبت البداوة على الاستقرار, وأثرت في النظم والآراء السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحربية وفي سائر نواحي الحياة الأخرى. لقد حالت دون قيام المجتمعات الكبرى القائمة على الاستقرار والاستيطان واستغلال الأرض, وجعلت من الصعب قيام الدول الكبيرة في هذه البلاد، وتكوين حكومات تقوم على احترام حقوق جميع أبناء الحكومة دون نظر إلى البيوتات والعشائر والقبائل والرئاسات.
وفي الأماكن التي توافرت فيها المياه، المياه النابعة من الأرض أو النازلة من السماء، نشأت مجتمعات مستقرة، وظهرت حكومات، غير أنها حكومات اختلف طابعها وشكلها باختلاف المحيط الذي ظهرت فيه, والأحوال الطبيعية التي ألمت بها, والقدرة المادية التي تيسرت لديها, فيها الحكومات الصغيرة التي قد تكون حكومات "قرية"، أو رئاسات عشائر, وفيها ما يمكن أن يعبر عنه بحكومات مدن، إن جاز إطلاق مصطلح "المدن" عليها، وفيها حكومات أكبر وأوسع مثل حكومات الحيرة والغساسنة, وفيها حكومات مثل حكومات العرب الجنوبيين, وهي حكومات كبيرة إذا قيست إلى الحكومات التي كونها سادات القبائل في أنحاء أخرى من جزيرة العرب، ولم تعمر طويلًا، بل كانت مثل رغوة الصابون، لا تكاد تنتفخ حتى تزول؛ وذلك لأسباب وعوامل لا يتسع لها صدر هذا المكان.
فالطبيعة هي التي صيرت العرب على هذا الحال، وهي التي غلبت عليهم البداوة, إذ حرمتهم من الماء وجادت عليهم برمال تلفح الوجوه، وبسموم مؤذية وبحرارة شديدة، وبأرض متسعة تظهر وكأنها بحر من رمل لا حد له، صيرت من وُلد فيها إنسانًا قلقًا هائمًا على وجهه، يتنقل من مكان إلى مكان بحثًا عن ماء وأكل, خلا الأماكن السخية التي خرجت منها دموع جرت فوق الأرض بقدر وبمقدار، أو مواضع قَرُبَ الماء فيها من سطح التربة فاستنبطه الإنسان، أو أماكن انهمرت من سمائها العاشقة للأرض دموع حبها في مواسم من السنة فأصابت الأرض بطلٍّ، فاستهوت الإنسان، واستقر بها وتحضر, وصار العرب من ثم بدوًا وحضرًا، أهل بادية وأهل حاضرة.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 280