نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 282
قريبة من سطح الأرض, ظهرت الحضارة على شكل قرى ومستوطنات وأسواق موسمية، كان لها كلها أثر خطير في حياة العرب عمومًا من عرب وأعراب, لما كان يقع فيها من اتصال ومن تبادل آراء بين الحضر والبدو، وبين هؤلاء جميعًا وبين الأعاجم الذين كانوا يؤمونها للاتجار بها بصورة مؤقتة أو دائمة، حيث كانوا يقيمون بها إقامة طويلة أو أبدية، وبالأعاجم الذين كانوا يقيمون فيها رقيقًا مملوكًا لمن اشتراهم من الملاكين. وبذلك حدث نوع من التلقيح في الآراء والأفكار وفي شئون الحياة، تلقيح مهما قيل فيه وفي درجته فإنه تلقيح على كل حال[1]. وهذه المواضع هي التي كونت وخلقت تأريخ العرب فيما قبل الإسلام.
وقد نبه "الجاحظ" إلى الاختلاف بين البدوي والحضري، والسهلي والجبلي، فأشار إلى اختلاف ما بين الطائي الجبلي والطائي السهلي، وإلى اختلاف ما بين من نزل البطون وبين من نزل الحزون، وبين من نزل النجود وبين من نزل الأغوار، ثم إلى ما ترك هذا الاختلاف في المواضع والمكان من أثر في اختلاف اللغة, فتحالفت عليا تميم، وسفلى قيس، وعجز هوازن وفصحاء الحجاز في اللغة. وهي في أكثرها على خلاف لغة حمير، وسكان مخاليف اليمن, "وكذلك في الصورة والشمائل والأخلاق. وكلهم مع ذلك عربي خالص". وأشار إلى ما تركه هذا السكن من أثر في أخلاق العرب، حتى ليقال: "إن هذيلًا أكراد العرب"[2]؛ بسبب طباعهم وصبرهم على تحمل القتال.
كما أشار "الجاحظ" إلى أن هذا الاختلاف ظاهر في العرب جميعًا، قحطانيين وعدنانيين. ومع ذلك فهم كلهم عرب؛ لأنهم استووا في التربة وفي اللغة والشمائل والهمة وفي الأنفة والحمية، وفي الأخلاق والسجية، فسبكوا سبكًا واحدًا، وأفرغوا إفراغًا واحدًا[3].
وكان من أثر اختلاف طبيعة الجو والأرض والضغوط الجوية في أهل جزيرة العرب، أن صار لأهل المدر مجتمع يختلف في شكله وتكوينه عن مجتمع أهل الوبر، وأن صار مجتمع أهل المدر جملة مجتمعات اختلفت في تكوينها باختلاف [1] Hastings, Dlctionary of the Bible, l, p. 133. [2] رسائل الجاحظ "1/ 10، 71"، "مناقب الترك". [3] رسائل الجاحظ "1/ 10 وما بعدها"، "مناقب الترك".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 282