responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 287
يلمسها ويحسّها بيديه، فيتقرب إليها ويتوسل بها، وخاف من الأوراح مثل الجن والأرواح الخبيثة التي صوّرها عقله، أكثر من خوفه من آلهته، فإن نزل مكانًا قفرًا، أو محلًا موحشًا، أو دخل مكانًا مظلمًا أو كهفًا، تعوذ من الأرواح، واحتال عليها بمختلف الحيل التي ابتكرها عقله، ليتغلب عليها وليتخلص منها. فهو يخافها أكثر من خوفه من الآلهة؛ لأنه جعلها تعيش معه في كل مكان، فهي تحيط به. أما الآلهة، فإنها بعيدة عنه، ثم إنها لا تؤذي، ومن طبع الإنسان التخوّف من المؤذين.
وهو لا يحفل بما بعد الموت، لأن هذا العالم الثاني عالم غير محسوس بالقياس إليه. ولهذا لم يتصوّره كتصور غيره من الأمم الأخرى، بل هو لم يُتعب نفسه بالتفكير فيه، ولهذا كانت مراسيم دفن الميت بسيطة جدًا، لا تَكلّف فيها ولا تعقيد، على نحو ما نجده عند الحضري أو العجم، متى دفن في قبره وهيل التراب عليه، انتهى كل شيء. ولهذا كان عجبهم شديدا إذ سمعوا بالبعث وبالقيامة والحشر والنشر. {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [1].
وكان قائلهم يقول:
حياة، ثم موت، ثم نشر: ... حديثُ خُرافة، يا أمّ عمرو! 2
وقال شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك، يرثي قتلى قريش يوم بدر:
يحدثنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداءٍ وهامِ3
وقد ورد البيت المذكور في صورة أخرى في كتاب "الصبح المنير في شعر أبي بصير"، في باب شعر "أعشى نهشل"، ورد في هذا الشكل:
وكائن بالقليب قليب بدرٍ ... من الفتيان والعرب الكرام
أيوعدني ابن كبشة أن سنحيا ... وكيف حياة أصداءٍ وهامِ؟
أيعجز أن يردّ الموت عني ... وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني ... بأني تارك شهر الصيام
فقل لله يمنعني شرابي ... وقل لله يمنعني طعامي

[1] سورة الواقعة، الآية 47، {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [سورة قّ الآية:3] .
2 بلوغ الأرب "2/ 198".
3 الصبح المنير "ص308" "طبعة أوربة 1927".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست