responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 286
والأعراب وفي السياسة العامة للحكومة. وفي تقارير السياسيين الوطنيين والأجانب وفي كتب السياح والبعثات الأجنبية على اختلاف أنواعها كلام على تباين طباع الأعراب في جزيرة العرب وطباع الحضر في هذا اليوم.
فنرى إذن أن للأعراب رأيًا في الحضر يشبه رأي الحضر فيهم، أي رأي فيه ازدراء وحطّ من شأن الحضر ومن مجتمعهم الذي يعيشون فيه، ومن قيمهم في هذه الحياة، وهو رأي تكوّن عندهم من بيئاتهم التي يعيشون فيها ومن ثقافتهم الخاصة بهم، التي تفسر الأمور بمقاييسها وأوزانها، وهي مقاييس وأوزان بعيدة عن مقاييس الحضر والحضارة. ولا أقصد بالحضر هنا حضر الأعاجم وحدهم، بل أُدخل فيهم حتى الحضر العرب، كالذي يتبين من استهجان الأعراب لشأن أهل المدر في كل مكان من أمكنة جزيرة العرب ومن ازدرائهم لأحلامهم ومثلهم في الحياة. فالبداوة ثقافة خاصة بهذا العالم، عالم البداوة، والحضارة ثقافة أخرى خاصة بالحضر، وبين الثقافتين بَوْن وخلاف.
وليست هذه الطباع وراثة تنتقل من الآباء إلى الأبناء أبدًا في الدم، فلا تتبدل ولا تتغير، بل هي حاصل أحوال وبيئة، إذا تغيرت الأحوال والبيئة وقع تغير يتوقف على مقدار فعل البيئة الجديدة في الإنسان وعلى الزمان الذي يقضيه فيه وعلى مقدار استعداد ذلك الإنسان لتقبل البيئة الجديدة والثقافة الجديدة التي دخل فيها، ولهذا يكون فعل التغير في الجيل القديم أقل من الجيل الجديد. وعلى ذلك يخطئ من يصف العرب بصفات يلصقها بهم يجعلها عامة فيهم أبدية. ودليلنا على ذلك أن من عاش من الأعاجم بين العرب وفي بيئة عربية، تطبع بطباع العرب وصار مثلهم، حتى إذا انقرض الجيل القديم ونبع الجيل الجديد تحوّل إلى جيل عربي في كل شيء، لا نستثني من ذلك حتى الانتساب إلى العرب إلى عدنان وقحطان وحتى التعصب والعصبيات. ولا الإسلام الذي صهر الأعاجم في بوتقته، وجعلهم جنودًا يحاربون في الصفوف الأمامية لنشره وإعلاء كلمته، لم يلبث أن أنساهم أصولهم ولغاتهم، فحوّلهم بذلك إلى عرب من حيث لم يشعر العرب ولا الأعاجم أنفسهم به.
والأعرابي واقعي، تتأثر أحكامه بالواقع الذي يراه، وبمقياس المادية التي تتمثل عنده، يؤمن بالروح، ولكنه يحوّلها إلى ما يشبه المادة الملموسة. يؤمن بإلَه أو بآلهة، كما كان في الجاهلية ولكنه حوّل تلك الآلهة إلى أوثان وأصنام،

نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست