responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 288
والحضر الذين نظروا إلى الأعراب، نظرة استصغار وازدراء، لما بينهم وبين الأعراب من تفاوت في الثقافة وفي العقلية، هم أنفسهم وفي والواقع أشباه حضر، وأخص من هؤلاء الحضر حضر الحجاز، فخصائص التعرب غالبة عليهم، غلبة تزيد على خصائص الحياة الحضرية. فقد قامت قراهم مثلًا وأعظمها مكة ويثرب على الفكرة الأعرابية القائمة على أساس النسب، فكلّ من مكة ويثرب شعاب، كل شعب لفخذ أو عائلة أو ما أشبه ذلك من أسماء تدخل في أسماء أجزاء القبيلة، تتعصب وتتحزّب وتتقاتل فيما بينها وتتحالف، كما يتقاتل أو يتحالف الأعراب. ثم إنهم كانوا يأنفون من الاشتغال بالحرف، تماما كما يفعل البدو، ويعافون الزراعة في الغالب، لا أستثني منها زراعة النخيل، لأن الزراعة في نظرهم من أعمال النبط والرقيق، والروح الفردية سائدة بينهم، موجودة عندهم، إلا في أوقات الشدة والضيق، والفردية الجامحة من طبائع البادية ومن خصائصها، إلى أمور أخرى عديدة تعدّ من صميم الحياة الأعرابية. وسبب ذلك أن هذه المستوطنات التي سموها قرى كانت وسطًا بين البداوة والحضارة، وكانت كالجزر الصغيرة وسط المحيطات الواسعة، محيطات من الأعراب، تستمد غذاءها الروحي والمادي من البداوة أكثر مما تستمده من الحضارة. أضف إلى ذلك عامل الطبيعة الذي يعلب دورًا خطيرا في تكوين المجتمعات وفي تكييفها بالشكل الملائم. ولذلك لم تتكوّن في يثرب أو في مكة أو في غيرها حياة مشابهة لحياة الحضر العجم في الأماكن الأخرى مثل مدن وقرى العراق وبلاد الشام ومصر، بل وحتى حضر مدن اليمن وهم من العرب بالطبع.
ومن هنا نجد حضر اليمن، بل وأعراب اليمن أيضا يختلفون عن حضر وأعراب الحجاز ونجد والعربية الشرقية، في كثير من الخصائص والصفات. مع أنهم كلهم عرب ومن أصل واحد. فحضر اليمن، حضر لا يأنفون من العمل ولا يستصغرون شأن الحرف. ولا يأنفون من الزراعة. بينهم الحائك والنساج والمشتغل بالأرض، والصانع والحداد والنجار وعامل البناء، وقالع الحجر ومربي الماعز والغنم والبقر، وزارع الخضر والبقول، ودابغ الجلود، مع أنها حرف يراها العربي في بقية مواضع جزيرة العرب من حرف العبيد والطبقات الدنيا من الناس.
وأعراب اليمن، الذين ميزهم حضر اليمن عن أنفسهم في الجاهلية بإطلاق

نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 288
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست