محتويات مكتبته التي كان بها ستمائة ألف كتاب ووجدت له تعليقات على بعض هذه الكتب بخط يده، كانت موضع ثقة العلماء مما يدل على أنه قرأ وفهم، يقول ابن سعيد في كتاب «المغرب في حلى المغرب» عن الحكم المستنصر ما يلي [1] :
«كان له إذ ولي بعد أبيه سبع وأربعون سنة وكان حسن السيرة جامعا للعلوم، محبّا لها مكرما لأهلها، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله، وذلك بإرساله فيها إلى الأقطار واشترائه لها بأعلى الأثمان ... ووجه لأبي الفرج الأصبهاني ألف دينار على أن يوجه له نسخة من كتاب الأغاني، وباسمه حرر أبو علي البغدادي كتاب الأمالي، فأحمد وفادته» ا. هـ.
ومن حبه للعلم ونشره بين أبناء الأمة الأندلسية فإنه بنى على نفقته الخاصة سبعا وعشرين مدرسة لتعليم الفقراء، مما يدل على أن القادرين كانوا ينفقون على تعليم أنفسهم.
ولقد فشا التعليم في الأندلس بصفة عامة وفي العاصمة قرطبة بصفة خاصة إلى الحد الذي جعل بعض الباحثين يقول: إن غالبية السكان كانوا يجيدون القراءة والكتابة ولذلك كان أصحاب المصانع لا يقبلون عاملا في مصانعهم إلا إذا كان يجيد القراءة والكتابة، حتى ولو كان العمل لا يتطلب ذلك، ومعنى ذلك أن المجتمع والرأي العام هو الذي جعل التعليم إجباريّا وليس عملا قامت به السلطة وحدها [2] .
والتعليم شمل الجنسين، الذكور والنساء على السواء، يقول الأستاذ خوليان ريبيرا [3] : «وبلغ تعليم المرأة حدّا واسعا من الانتشار يمكن أن نستنتجه مما ذكره ابن فياض في تاريخه أخبار قرطبة قال: كان بالربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا في ناحية من نواحيها، فكيف بجميع النواحي، وتزاحم الطلاب على الدراسة جعل المرأة أيضا تقبل عليها، وتفتح المدارس تلقي فيها الدروس، كما يصنع الرجال، وكان لبني حزم [4] - وهي أسرة اشتهرت بالأساتذة- مدرسة من أشهر مدارس قرطبة، يدرس فيها الأب للصبيان، [1] (1/ 186) . [2] راجع خوليان ريبيرا- التربية الإسلامية في الأندلس، مرجع سابق (ص 50) . [3] المرجع السابق (ص 161) . [4] ليسوا هم بني حزم أسلاف أسرة ابن حزم العالم المشهور، بل هي أسرة أخرى، والأمر لا يعدو تشابه الأسماء.