وروايته وتقدمه في الصناعة التي كانت بيده» ا. هـ.
ويضيف ابن القوطية خبرا له مغزاه، ينبغي ذكره، ملخصه أن «زرياب» غنى الأمير عبد الرحمن صوتا استحسنه، فأمر خزان بيت المال أن يدفعوا له ثلاثين ألف دينار، ولكنهم رفضوا، وقالوا: نحن وإن كنا خزان الأمير أبقاه الله فنحن خزان بيت مال المسلمين، نجبي أموالهم وننفقها في مصالحهم، ولا والله ما ينفذ هذا ولا منا من يرضى أن يرى هذا في صحيفته غدا أن نأخذ بثلاثين ألفا من أموال المسلمين، وندفعها إلى مغنّ في صوت غناه، يدفع إليه الأمير أبقاه الله مما عنده- أي: من ماله الخاص وليس من مال المسلمين- فلما أخبر الأمير بذلك كان «زرياب» حاضرا فقال: ما هذه طاعة- كأنه يحرض الأمير على خزان بيت المال؛ لأنهم عصوا أوامره- أما الأمير عبد الرحمن فقال: هذه الطاعة، ولأولينهم الوزارة على هذا الأمر، وصدقوا فيما قالوا، ثم أمر بدفعه إلى «زرياب» مما عنده.
ما أجمل الأمراء عندما يستجيبون لنصح الناصحين!
ثالثا: في الصفحات السابقة وضحنا أن الأمويين في الأندلس سلكوا في بناء نهضة حضارية عربية إسلامية على أرض الأندلس ثلاث طرق، تحدثنا عن اثنتين منها وهما: بعث طلاب العلم والعلماء إلى المشرق الإسلامي للتزود بكل جديد في كل العلوم العربية الإسلامية وعلوم الطب والفلك والكيمياء والفيزياء ... إلخ والعودة بهذا الحصاد إلى الأندلس وكانوا مدركين أنه بدون هذا التواصل العلمي مع المشرق فلن يتأتى لهم بناء الحضارة التي يتوقون إليها ويطمحون أن تضاهي حضارة بغداد.
والطريق الثاني: استقدام علماء من المشرق إلى الأندلس للانتفاع بعلمهم، وفي الصفحات التالية نوجز القول في الطريق الثالث الذي سلكه الأمويون في الأندلس لبناء نهضتهم الحضارية؛ وهو الكتاب، فالكتاب هو سيد الموقف في الفكر الإنساني بلا خلاف، فمهما تقدمت وسائل التعليم سيبقى هو في مكانته ليس له بديل في ملء العقول بالعلم والفكر، من هنا أعطى الأمويون قضية الكتاب وإحضاره من الشرق والغرب أيضا إلى الأندلس أهمية قصوى، وفي هذه المسألة ربما كانت مهمتهم أسهل نسبيّا من مهمة العباسيين؛ لأن العباسيين اضطلعوا بعبء الترجمة من اللغات الأجنبية، وبصفة خاصة الهندية والفارسية واليونانية إلى اللغة العربية، وهو عبء ثقيل ومكلف ماديّا، ففوق ما وجده العباسيون على الأرض التي