ولقد حاولت الدولة العباسية انتزاع الأندلس من عبد الرحمن الداخل- وهذا أحد ألقابه- ولكنها فشلت [1] . مما جعل خصمه الخطير أبا جعفر المنصور يلقبه بصقر قريش ويثني عليه، والفضل ما شهدت به الأعداء.
فقد جاء في الأخبار أن أبا جعفر المنصور قال لجلسائه يوما: «أخبروني، من صقر قريش؟ قالوا: أمير المؤمنين- يقصدونه هو- الذي راض الملك، وسكّن الزلازل، وحسم الأدواء، وأباد الأعداء، فقال: ما صنعتم شيئا، قالوا: فمعاوية؟
قال: ولا هذا، قالوا: فعبد الملك بن مروان؟ قال: ولا هذا، قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية، الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدا أعجميّا مفردا. فمصّر الأمصار، وجنّد الأجناد، ودوّن الدواوين، وأقام ملكا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره، وشدة شكيمته، إن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان، وذللا له صعبه، وعبد الملك بن مروان ببيعة تقدم له عقدها، وأمير المؤمنين- يقصد نفسه- بطلب عشيرته، واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه» [2] .
وقد حظيت الدولة الأموية في الأندلس بعدد لا بأس به من الأمراء الأقوياء الذين وطدوا أركانها، وطوروا أجهزتها، وواجهوا بشجاعة وجرأة كبيرة الفتن والاضطرابات والثورات الداخلية، وهي كثيرة وأثار بعضها ضدهم بعض أبناء البيت الأموي أنفسهم، كما ردّوا كيد أعدائها الخارجيين، فالأمراء الأربعة الأول وهم عبد الرحمن الداخل (138- 172 هـ/ 756- 788 م) وابنه هشام (172- 180 هـ/ 788- 797 م) وحفيده الحكم بن هشام (180- 206 هـ/ 797- 822 م) وابنه عبد الرحمن بن الحكم (206- 238 هـ/ 822- 852 م) الذين حكموا قرنا كاملا من الزمان، كانوا رجال دولة أكفاء، بلغت الدولة في عهودهم مبلغا عظيما من القوة والازدهار، وحققت لنفسها هيبة في غرب أوربا في عيون أعدائها، وأضحى بلاط قرطبة يضاهي بلاط بغداد في القوة والأبهة والفخامة والهيبة والنفوذ [3] . [1] راجع ابن الأثير- الكامل (5/ 575) . [2] راجع ابن عبد ربه- العقد الفريد، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة (1962 م) ، (4/ 388) . [3] راجع محمد عبد الله عنان- دولة الإسلام في الأندلس، مرجع سابق (2/ 682) .