مصر نهاية سنة (132 هـ/ 750 م) [1] .
إزاء هذا الانهيار والاختفاء المفاجئ للدولة الأموية كان من الطبيعي أن يستمر يوسف بن عبد الرحمن الفهري في حكم الأندلس، وقد حكمها نحو عشر سنين (129- 138 هـ/ 747- 757 م) . واستطاع أن يحقق قدرا لا بأس به من الاستقرار للأندلس، وظن أن الأيام قد صفت له، وأنه أصبح الحاكم المطلق لها، ولم يكن يدري- بل لعل أحدا في العالم غيره لم يكن يدري- أن القدر كان يدبر للأندلس مصيرا آخر تحت قيادة أخرى.
ذلك أن أحد أبناء البيت الأموي المنهار قد استطاع الإفلات بأعجوبة من سيوف العباسيين، وأن يعبر نهر الفرات سباحة ويخرج منه عريانا وهو في التاسعة عشرة من عمره، ثم أخذ يتنقل من بلد إلى آخر- مارّا بالشام ومصر وشمال إفريقيا- حتى وصل إلى أخواله من قبيلة نفزة البربرية وهي بالمصادفة القبيلة التي ينتمي إليها القائد البطل والفاتح العظيم- طارق بن زياد- ومن مكانه في العدوة المغربية أخذ يراقب الموقف في الأندلس مراقبة دقيقة، ولما تهيأت له الظروف عبر مضيق جبل طارق في شهر (ربيع الأول سنة 138 هـ/ مايو سنة 756 م) [2] وصل البطل الجديد إلى الأندلس متوجا رحلة من أعجب وأغرب رحلات المغامرة في التاريخ، لا لينجو من القتل فحسب- وربما كان هذا أمله الوحيد في البداية- ولكن ليقيم ملكا ويؤسس دولة وينشئ حضارة زاهرة وعامرة وناضرة على أرض الأندلس. ذلكم البطل هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الذي استطاع بمقدرة سياسية فذة وعبقرية عسكرية وموهبة إدارية عالية أن يستخلص الأندلس من أميرها وحاكمها المطلق يوسف بن عبد الرحمن الفهري، بعد سلسلة من الحروب، كان النصر حليفه في نهايتها، وأن يؤسس على ذلك الركن القصي من العالم الإسلامي- آنذاك- دولة قوية فتية، حكمها هو وأولاده وأحفادهم نحوا من ثلاثة قرون (138- 422 هـ/ 756- 1031 م) كانت الأندلس خلالها من أعظم وأغنى وأقوى دول العالم [3] . [1] المصدر السابق (5/ 424) . [2] راجع المصدر السابق (5/ 489) وما بعدها، ومحمد عبد الله عنان- دولة الإسلام في الأندلس (1/ 147) وما بعدها. [3] راجع رينهرت دوزي، المسلمون في الأندلس (5/ 56، 57) .