وفي عهود الأمراء الثلاثة التالين لهؤلاء وهم: محمد بن عبد الرحمن وولداه المنذر وعبد الله والذين حكموا لمدة اثنين وستين عاما (238- 300 هـ/ 852- 912 م) تعرضت الدولة خلالها للفتن والاضطرابات والثورات، وبات مصيرها مهددا، وضعفت سلطة الحكومة بقرطبة ضعفا شديدا، وكثر الطامعون والثائرون واستطاع بعضهم أن يحقق أطماعه وأن يقيموا لأنفسهم دولا مستقلة ومن هؤلاء:
بنو قسي أو بنو موسى الذين استقلوا بمنطقة الثغر الأعلى- سرقسطة- وبنو مروان الذين استقلوا بمنطقة بطليوس في الغرب وبنو حفصون وزعيمهم عمر بن حفصون الذين استطاعوا الاستقلال بمنقطة شاسعة في الجنوب من قاعدتهم في ببشنز، وقد استمرت ثورتهم ضد الدولة نحو نصف قرن. وبنو ذي النون الذين استقلوا بطليطلة.
وبنو حجاج بأشبيلية. وهكذا تمزقت الدولة التي شادها عبد الرحمن الداخل بكفاءته وجده واجتهاده، وعاشت الأندلس ما يقرب من ثلثي قرن في محن وخطوب، ولقد أطلق بعض المؤرخين على هذه الفترة عصر ملوك الطوائف الأول [1] .
لكن الله تعالى تدارك هذه الدولة في شخص عبد الرحمن الناصر (300- 350 هـ/ 912- 961 م) الذي استطاع أن ينتشلها من وهدتها، وأن يقضي على كل المناوئين في الداخل والخارج وأن يعيد لها وحدتها وقوتها وهيبتها، وواصل ابنه الحكم المستنصر (350- 366 هـ/ 961- 976 م) سياسته، وبعد الحكم بدأ عهد العامريين (366- 399 هـ/ 976- 1009 م) فوصلوا بالدولة إلى أقصى قوتها العسكرية، وباختفائهم بعد مقتل عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر سنة (399 هـ/ 1009 م) عمت الفوضى والاضطرابات من جديد، وللأسف لم تجد الدولة هذه المرة رجلا في قوة شكيمة عبد الرحمن الناصر ومضاء عزيمته، فهوت إلى الحضيض، ثم لفظت أنفاسها الأخيرة سنة (422 هـ/ 1031 م) .
والله سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
وقد مرت الدولة الأموية خلال حكمها للأندلس بمرحلتين متميزتين: مرحلة الإمارة، منذ تأسيسها على يد عبد الرحمن الداخل سنة (138 هـ/ 756 م) وقد استمرت هذه المرحلة إلى سنة (316 هـ/ 929 م) لتبدأ المرحلة الثانية بإعلان [1] راجع د. أحمد مختار العبادي- في تاريخ المغرب والأندلس، طبع مؤسسة الثقافة الجامعية الإسكندرية، (ص 167) .