أكثر من معنى.
والواقع أن العلاقات استمرت بدون مشكلات كبيرة ولا اشتباكات خطيرة على الحدود إلى نهاية العصر الأموي (132- 750 هـ) .
فلما قامت الدولة العباسية تجددت الاشتباكات الحدودية، والذي بدأ هم البيزنطيون؛ ظنّا منهم أن الدولة العباسية غير قادرة على حماية الحدود الإسلامية لانشغالها بالتمكين لنفسها، ولكن ظنهم لم يكن في محله؛ فسرعان ما وجدوا الجيوش الإسلامية لهم بالمرصاد، مما جعلهم يجنحون إلى السلام من جديد، ومرة أخرى أقام المسلمون الدليل على رغبتهم في السلام، مع أنهم كانوا الأقوى في ذلك الوقت، وأول معاهدة سلام بين الدولتين في العصر العباسي تحدثنا عنها المصادر تلك التي عقدها معهم هارون ابن الخليفة المهدي في عهد أبيه (158- 169 هـ/ 774- 785 م) مع الإمبراطورة إيريني، والتي يقول عنها الطبري: «فجرت بينها وبين هارون بن المهدي الرسل والسفراء، في طلب الصلح والموادعة وإعطائه الفدية، فقبل ذلك منها هارون، وشرط عليها الوفاء بما أعطت وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في طريقه، فأجابته إلى ما سأل ... ووجهت معه رسولا إلى المهدي، بما بذلت.... وكتبوا الهدنة إلى ثلاث سنوات وسلمت الأسارى» [1] .
ولما تولى هارون الخلافة بعد أخيه الهادي، وتلقب بالرشيد (170- 193 هـ/ 787- 809 م) نقض إمبراطور الروم نقفور المعاهدة التي وقعتها سلفه، بل هدد الرشيد بالحرب إن لم يعد له الجزية التي أخذها منها، مما جعل الرشيد يغزوه بنفسه، ليثبت حالة السلم على الحدود، وهنا أدرك الإمبراطور خطأه، واعتذر وتعهد بدفع أكثر مما كانت الإمبراطورة إيريني، فعادت حالة السلام بين الدولتين وتقرر الصلح كما ذكر الطبري [2] .
والذي يستخلص من كل ذلك أن الدولة الإسلامية لم يكن من خططها غزو أراضي الدولة البيزنطية والاستيلاء عليها، بل كان هدفها المحافظة على حدودها، ومنع تغيير تلك الحدود لمصلحة البيزنطيين، ولو كان المسلمون يبغون الغزو لكان ذلك ممكنا على الأقل في عهد الرشيد؛ لأنهم كانوا الأقوى، وفي عهد الخليفة المأمون (198- 218 هـ/ 813- 833 م) توترت العلاقات إلى حد ما بين [1] تاريخ الطبري (6/ 152، 153) . [2] المصدر السابق (8/ 321) .