عمر، علم بذلك الإمبراطور ليون وأرسل إليه أحد أطباء القصر الإمبراطوري ليعالجه، ومما يدل على حسن العلاقات أن ذلك الطبيب كان قسيسا، أي من رجال الدين المسيحي، وقد وصل الطبيب القسيس فعلا إلى دمشق [1] .
ويبدو أن العلاقات الودية بين عمر بن عبد العزيز والإمبراطور ليون قد شجعت الخليفة التقي الصالح على دعوة الإمبراطور إلى الإسلام حيث أرسل إليه وفدا يحمل رسالة بهذا الغرض.
وبطبيعة الحال لم يقبل الإمبراطور دعوة الخليفة ونصيحته، ولكنها لم تؤثر سلبيّا على علاقاتهما، فقد استمرت ودية، على خير ما يرام، وظل الإمبراطور على إعجابه بالخليفة المسلم واحترامه إلى وفاته، فقد روى المسعودي، أن عمر بن عبد العزيز بعث وفدا إلى ملك الروم، في أمر من مصالح المسلمين وحق يدعوه إليه ... فتلقاهم بجميل، وأجابهم بأحسن الجواب، وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غد غزاة أتاهم رسوله، فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضح التاج عن رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها، كأنه في مصيبة، فقال: «هل تدرون لم دعوتكم؟ قالوا: لا، قال: إن صاحب مسلحتي التي تلي العرب جاء في كتابه في هذا الوقت إن ملك العرب، الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا، فقال: لا تبكوا له، وابكوا لأنفسكم ما بدا لكم، فإنه خرج إلى خير مما خلف، قد كان يخاف أن يدع طاعة الله في الدنيا، فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا ومخافة الآخرة، ولقد بلغني من بره وفضله وصدقه، ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى، لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره ظاهرا وباطنا، فلا أجد أمره مع ربه إلا واحدا، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه، ولم أعجب لهذا الراهب الذي قد ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعته، ولكني عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدميه فزهد فيها، حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلا» [2] .
هذه أجمل صورة للعلاقات الإسلامية البيزنطية، تحمل أكثر من دلالة، ولها [1] المصدر السابق الصفحة نفسها وانظر مقال ماريوس كانار بعنوان «ملاحظات على هامش العلاقات بين العرب والروم» مجلة الدراسات الاستشراقية، المجلد الأول (ص 98- 119) (1956 م) . [2] مروج الذهب (3/ 195) طبع دار الفكر- بيروت. بدون تاريخ.