الدولتين، إلا أنهما سرعان ما عادتا إلى التفاوض وإجراء الصلح وحل المشكلات بالحوار والتفاهم.
وتبودلت الوفود والرسائل بين المأمون ومعاصره الإمبراطور تيوفيلوس، وكان الأخير هو الذي بدأ برسالة إلى المأمون بطلب عقد مصالحة، إلا أنه خلط فيها بين اللين والشدة والود والتهديد، وهو أسلوب مألوف في المناورات السياسية بين الدول، قال تيوفيلوس في رسالته إلى المأمون: ... أما بعد فإن اجتماع المختلفين على حظهما أولى بهما في الرأي مما عاد عليهما بالضرر، ولست حريّا أن تدع لحظ يصل إلى غيرك حظّا تحوزه إلى نفسك، وفي علمك كاف عن أخبارك، وقد كنت كتبت إليك داعيا إلى المسألة، راغبا في فضيلة المهادنة، لتضع أوزار الحرب عنا، ونكون كل واحد منا لكل واحد وليّا وحزبا مع اتصال المرافق، والفسح في المتاجرة، وفك المستأسر، وأمن الطرق والبيضة، فإن أبيت فلا أدب لك في الخمر [1] ، ولا أزخرف لك في القول، فإني لخائض إليك غمارها، وآخذ عليك أسدادها، شانّ عليك خيلها ورجالها، وإن أفعل فبعد أن قدمت المعذرة، وأقمت بيني وبينك علم الحجة. والسلام [2] . هذا هو نص رسالة الإمبراطور البيزنطي إلى الخليفة المأمون الذي رد عليها بقوله بعد المقدمة:
«أما بعد، فقد وصلني كتابك فيما سألت من الهدنة، ودعوت إليه من الموادعة، وخلطت فيه من اللين والشدة، مما استعطفت به من شرح المتاجر واتصال المرافق، وفك الأسارى، ورفع القتل والقتال، فلولا ما رجعت إليه من أعمال التؤدة، والأخذ بالحظ في تقليب الفكرة، وإلا أعتقد الرأي في مستقبله إلا في استصلاح ما أوثره في معتقبه، لجعلت كتاب جوابك خيلا تحمل رجالا من أهل البأس والنجدة والبصيرة، ينازعونكم عن ثكلكم، ويتقربون إلى الله بدمائكم، ويستقلون في ذات الله ما نالهم من ألم شوكتكم، ثم أوصل إليهم من الأمداد، وأبلغ لهم كافيا من العدة والعتاد، هم أظمأ إلى موارد المنايا منكم إلى السلامة، من مخوف معرتهم عليكم، موعدهم إحدى الحسنيين، عاجل غلبة أو كريم منقلب، غير أني رأيت أن أتقدم إليك بالموعظة، التي يثبت الله بها عليك الحجة من الدعاء لك ولمن معك إلى الوحدانية، والشريعة الحنيفية، فإن أبيت ففدية توجب ذمة وتثبت نظرة، وإن تركت ذلك ففي يقين المعاينة لنعوتنا ما يغني عن الإبلاغ في القول، والإغراق في الصفة، والسلام على [1] يقصد بقوله: «فلا أدب لك في الخمر» : لا أبالغ في التزلف إليك والتقرب منك. [2] تاريخ الطبري (8/ 629) .