ظهور التبشير الفردي الإسلامي- سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه- مرتبطا بالتصوف الإسلامي فيحكى دائما في مناقب الصوفية أنهم استطاعوا إدخال كثيرين من الكفار في الإسلام وكان هؤلاء الصوفية يذهبون إلى الصحارى لإدخال الأتراك في الإسلام، وقد ظلوا حتى وقت قريب أكثر توفيقا من العلماء الذين درسوا في المدارس» [1] ويرى بارتولد أن توفيق الدعاة المسلمين ونجاحهم في نشر الإسلام بين الأتراك كان يعتمد على حقيقة راسخة وهي تفوق الإسلام على الديانات الآخرى من ناحية، فهو يقول: «ومن عوامل انتشار الإسلام بين الأتراك خاصة امتاز بها الإسلام على سائر الأديان العالمية، فعلى الرغم من أن أتباع البوذية وأتباع المسيحية أكثر عددا من المسلمين فإن الإسلام دين عالمي بمعنى الكلمة، أي ليس مقصورا على جنس أو مدينة، ولئن كانت بعض الديانات قد بذت الإسلام في هذه الناحية فإن توفيقها كان مؤقتا، ولم تستطع الحصول على نتائج دائمة كالإسلام» [2] وكان توفيق الدعاة ونجاحهم في الدعوة إلى الإسلام يعتمد كذلك على تفوق العالم الإسلامي ماديّا ومعنويّا على كل البلاد المتمدينة [3] ، من ناحية ثانية، إن تفوق العالم الإسلامي في كل مجالات الحياة جذب إليه أناسا آخرين، خارج بلاد ما وراء النهر، وأظن أن بلغار الفولجا يصلحون مثالا على ذلك، فقد اعتنقوا الإسلام طواعية، دون أن يصل إليهم سلطان المسلمين السياسي، ففي سنة (921 م) ، وفد على الخليفة المقتدر بالله العباسي في بغداد سفراء من البلغار، الذين اهتدوا إلى الإسلام، وطلبوا منه أن يرسل إليهم بعض العسكريين المتخصصين في بناء القلاع والاستحكامات، وكذلك بعض العلماء لتدريس الإسلام وكان بين البعثة التي أرسلها الخليفة ابن فضلان، الذي وصف الرحلة من بغداد إلى بلاد البلغار، ثم العودة إلى بغداد- فيما عرف برحلة ابن فضلان- مرورا ببلاد الخزر......
والظاهر أن ابن فضلان كان هو المكلف بتعليم البلغار تعاليم الإسلام [4] .
ويستنتج الأستاذ بارتولد من رحلة ابن فضلان هذه أن اتصال بلغار الفولجا بالعالم الإسلامي قد تم عن طريق الولايات الإسلامية التابعة للخوارزميين والسامانيين؛ لأن [1] تاريخ الترك في آسيا الوسطى (ص 69) . [2] المرجع السابق (ص 70) . [3] المرجع السابق (ص 70) . [4] المرجع السابق (ص 65) .