الرحلة انطلقت من بغداد إلى حوض الفولجا مارة ببخارى وخوارزم، ولو لم تكن صلة البلغار بهذه الولايات الإسلامية قديمة؛ لكان الأولى أن تسلك الرحلة الطريق الأقصر إلى حوض الفولجا، وهو الطريق الذي يمر عبر قافقاسيا [1] .
هذا يدل بوضوح على رسوخ الإسلام في بلاد ما وراء النهر، وأنه أفاض على ما حولها من بلاد بطريق سهل وفي حرية تامة لعالمية الإسلام من ناحية، وتفوق العالم الإسلامي ماديّا ومعنويّا من ناحية ثانية.
ومن الجهود غير الرسمية التي تستحق التنويه في نشر الإسلام بين الترك، جهود التجار المسلمين الذين كانوا يجوبون الطرق التجارية التي تخترق تلك البلاد، إلى جانب تجارتهم كانوا يقومون بدور الدعاة إلى الله تعالى [2] ، وكانوا لبساطتهم في الدعوة ولغتهم السهلة وصدقهم وأمانتهم وحسن معاملتهم للناس أكثر تأثيرا من الدعاة الرسميين في جذبهم للإسلام، ومما يسر للتجار المسلمين مهمتهم تلك العلاقات الطيبة التي قامت بين الدولة الأموية وإمبراطورية الصين، فقد ذكر توماس آرنولد [3] نقلا عن المصادر الصينية أن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أرسل في (108 هـ/ 726 م) سفيرا اسمه سليمان، إلى إمبراطور الصين هزوان كنج، ومع أن آرنولد لم يحدثنا عن طبيعة هذه السفارة ولا عن مهمتها، إلا أنها تدل على حسن العلاقة بين الدولة الأموية وإمبراطورية الصين- وسبق أن ذكرنا ما حدث من اتصال بين الفريقين أثناء فتوحات قتيبة ووصوله إلى كاشغر وسفارته إلى ملك الصين- تلك العلاقة التي تطورت إلى أفضل مع العباسيين- بعد الصدام الذي حدث بين الفريقين في معركة طالاس، التي سبقت الإشارة إليها سنة (752 م) .
فيذكر آرنولد أن إمبراطور الصين سوتسونج- وهو ابن الإمبراطور السابق- قد استغاث بالخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ضد ثورة قامت عليه سنة (139 هـ/ 756 م) فأغاثه المنصور بفرقة من الجيش الإسلامي، التي لم تعد إلى بلادها بعد القضاء على الثورة، بل بقي الجنود المسلمون في الصين وتزوجوا وعاشوا هناك [4] ، والذي نقصده من الحديث عن حسن العلاقات بين المسلمين والصين أن الطرق التجارية [1] المرجع السابق (ص 66) . [2] د. حسن أحمد محمد- مرجع سابق (ص 155) . [3] الدعوة إلى الإسلام (ص 332، 333) . [4] المرجع السابق (ص 333) .