نفسها حفظت لهم ذلك الموقف ووقفت معهم في صراعهم مع الصفاريين [1] .
وإذا كان الطاهريون قد قاموا بدور كبير ومهم في التمكين للإسلام والثقافة الإسلامية فيما وراء النهر، فإن السامانيين كان دورهم أكبر وأعظم أثرا فرغم أن كلا الأسرتين من أصل فارسي، إلا أن السامانيين كان دورهم فيما وراء النهر أعظم؛ لأن الطاهريين حكموا ما وراء النهر من خراسان، فقد كانت عاصمة دولتهم نيسابور، أما السامانيون فقد حكموا خراسان من وراء النهر فقد كانت عاصمتهم مدينة بخارى، لذلك كان من الطبيعي أن يكون اهتمامهم بما وراء النهر أعظم- لأنه مقر حكمهم ومركز دولتهم- ففي عهد السامانيين وضحت ثمار الجهود التي بذلها العرب في رفع مكانة الإسلام هناك طيلة قرنين من الزمان تقريبا، وأحرزت الحركة الإسلامية نجاحها المرجو، فثبت الإسلام في قلوب الأتراك الغربيين، بل أخذ ينتشر بين الأتراك الشرقيين، ودخلت الأمة التركية في الإسلام [2] وقامت بدورها الكبير في عالم الإسلام.
والحق أن الأمراء السامانيين لم يعملوا على تثبيت أركان الإسلام في بلاد ما وراء النهر فحسب، بل أولوا عنايتهم واهتمامهم للعلوم الإسلامية، فازدهرت الحضارة الإسلامية في عهدهم، وكانت عاصمتهم- بخارى- منارة من منارات العلم في العالم الإسلامي، وقد مدحهم الرحالة المسلمون الذين زاروا البلاد في عهدهم ومنهم المقدسي الذي قال عنهم: إنهم أحسن الملوك سيرة وإجلالا للعلم والعلماء، ولم تكن عنايتهم بالعلوم الدينية فقط، وإنما بالعلوم الطبيعية والأدبية، فنبغ في عهدهم الرودكي- أول شاعر غنائي فارسي- وفي عهد الأمير منصور بن نوح ترجم إلى الفارسية كتاب «تاريخ الأمم والملوك للطبري» ، من العلماء الذين لمعوا ونبغوا في عهدهم الفيلسوف والطبيب الشيخ الرئيس علي بن سينا.
تحدثنا حتى الآن عن الجهود الرسمية- جهود الحكومات الإسلامية في نشر الإسلام في بلاد ما وراء النهر- ابتداء من الأمويين، ومرورا بالعباسيين، ثم الطاهريين والسامانيين، ولم نتحدث عن الجهود غير الرسمية، التي قام بها أفراد أو جماعات كعمل تطوعي لنشر الإسلام، مثل الصوفية، يقول بار تولد: «وكان [1] عصام عبد الرؤوف- تاريخ الإسلام في جنوب غرب آسيا (ص 17) . [2] انظر د. حسن أحمد محمود- الإسلام في آسيا الوسطى، مرجع سبق ذكره (ص 169) .