بالصدفة، وحديثها كله عن كوم شقاو وحده، والذي يبدو أنه كان من الأقاليم المشهورة في كل ما يتعلق بصناعة السفن، من تجارة وعمال مهرة، وأدوات صناعة من الأخشاب إلى المسامير والحبال.. إلخ.
ولم يكن هو الإقليم الوحيد بطبيعة الحال، لكن حظه كان أحسن من غيره لاكتشاف بردياته، التي ألقت الضوء على ما كان يقدمه لصناعة السفن، وربما تكشف لنا الأيام عن أوراق بردي أخرى في أماكن أخرى تلقي الضوء على مناطق عديدة غير كوم شقاو كانت تمد الأساطيل بحاجتها من العمال المهرة وأدوات الصناعة، فتعدد الأساطيل، وتعدد دور الصناعة وتباعدها يقتضي الكثير من المراكز التي تمدها بحاجياتها من العمال والأدوات. فقبل أن ينتهي القرن الهجري الأول كان المسلمون قد امتلكوا ثلاثة أساطيل بحرية كبرى: الأسطول الشامي، والأسطول المغربي- وسيأتي الحديث عنهما وشيكا- والأسطول المصري، وهو أكبرها وأكثرها أهمية، كما كان أمير البحرية المصرية هو القائد العام لجميع هذه الأساطيل [1] ، وكثيرا ما اشترك الأسطولان الشامي والمصري في عمليات عسكرية واحدة، كما حدث في غزو جزيرة قبرص سنة (28 هـ/ 648 م) .
وفي غزوة ذات الصواري الشهيرة سنة (34 هـ/ 654 م) وكان قائدها العام، الذي قاد القوات المشتركة من الأسطولين الشامي والمصري، هو أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح [2] ، وعلاوة على هذه الأساطيل الثلاثة الكبرى كانت هناك قوة بحرية أصغر حجما في البحر الأحمر لحراسته، وكانت تحت قيادة قائد الأسطول المصري، والجهد الأكبر والفضل الأول في بناء كل الأساطيل يرجع إلى أهل مصر.
* المصريون يبنون أساطيل الشام:
ذكرنا من قبل أن أول من أدرك حاجة المسلمين إلى امتلاك قوة بحرية لحماية شواطئ المسلمين في الشام ومصر، للارتباط الأمني الوثيق بين الإقليمين، ودعا إلى ذلك بقوة وإصرار، هو أمير الشام، معاوية بن أبي سفيان، غير أن دعوته اصطدمت بمعارضة قوية ممن بيده القرار، وهو الخليفة عمر بن الخطاب، ولكن على الرغم من [1] د. سعاد ماهر- البحرية في مصر الإسلامية، مرجع سابق (ص 87) . [2] د. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية (ص 39) ، د. حسين مؤنس- تاريخ المسلمين في البحر المتوسط (ص 60، 61) .