لإغارة قام بها الروم على مدينة البرلس. وإنشاء دار لصناعة السفن في جزيرة الروضة عدا الدور التي سبق الحديث عنها في الإسكندرية ورشيد ودمياط وتنيس والقلزم مما يدل على الحاجة إلى مزيد من السفن اللازمة للأسطول البحري الإسلامي، وبصفة خاصة في مصر؛ لأن ذلك التاريخ يواكب بعث حركة الفتوحات في شمال أفريقيا، وهي مناطق ساحلية وحاجتها إلى سفن لنقل الخيول والمعدات حاجة ماسة وكذلك لحماية تلك الشواطئ من هجمات الروم، وكان إنتاج دار صناعة السفن بالجزيرة ذا أهمية كبيرة؛ لأنها كانت تنتج أنواعا كبيرة، مثل الشواني، ولم تكن جزيرة الروضة مجرد دار لصناعة السفن وإنما كانت قاعدة بحرية عسكرية، أي فيها قوات بحرية مستعدة للقتال إذا دعا داعي الجهاد، ويصف المقريزي اهتمام الأمراء بأمر دار صناعة جزيرة الروضة، والقوات المرابطة فيها، فيقول: «وجعلت الأرزاق لغزاة البحر كما هي لغزاة البر، وانتدب الأمراء لها الرماة، فاجتهد الناس بمصر في تعليم أولادهم الرماية، وجميع أنواع المحاربة، وانتخب له القادة العارفون بمحاربة العدو، وكان لا ينزل في رجال الأسطول غشيم ولا جاهل بأمور الحرب؛ هذا وللناس إذ ذاك رغبة في جهاد أعداء الله وإقامة دينه، لا جرم أن كان لخدام الأسطول حرمة ومكانة، ولكل واحد من الناس رغبة في أن يعد من جملتهم، فيسعى بالوسائل حتى يستقر فيه، وكان من غزو الأسطول بلاد العدو ما قد شحنت به كتب التاريخ [1] .
وتمدنا برديات كوم شقاو بمعلومات إضافية عن طلب والي مصر، قرة بن شريك من حاكم كوم شقاو إمداد دار الصناعة بالجزيرة بالعمال المهرة في صناعة السفن، فتشير إحدى البرديات إلى أوامر بتصنيع مسامير وطلب حدادين ونجارين وقلافين، لإصلاح وبناء وتنظيف السفن، وتشير بردية أخرى إلى طلب أخشاب وسلاسل نحاسية وحبال ووسائد ووبر- شعر- وأقمشة مطلوبة من أجل بناء السفن، كل هذا يدل على اتساع نطاق العمل في جزيرة الروضة، فهي دار لصناعة السفن وصيانتها، وهي ثكنات عسكرية بحرية مقاتلة، كما أنها كانت قلعة قوية لوجود حصن بابليون شرقيها، وكانت تقوم بحماية الملاحة النهرية في النيل [2] .
هذه المعلومات المهمة التي أمدتنا بها برديات كوم شقاو، التي اكتشفت [1] الخطط (2/ 191) . [2] تاريخ البحرية المصرية، مرجع سابق (ص 349) .