وأنهم جمعوا جموعهم في نهاوند استعدادا للانقضاض على المسلمين في العراق؛ عندئذ أدرك عمر أن الانتظار قد يكون ضارّا جدّا بالمسلمين، وأن الجمود عند الموقف السابق قد يكون كارثة فقرر أن يكون زمام المبادرة بيده، ولم يتردد لحظة واحدة في مواجهة الفرس، وجهز لذلك جيشا كبيرا.
لأن جولة جديدة من القتال ضد الفرس أصبحت ضرورة عسكرية حتى يعودوا إلى صوابهم؛ فأخذ يستشير الصحابة فيما ينبغي عمله لمواجهة هذا الموقف الخطير، فأشاروا عليه بأن يغزو أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم؛ يعني يحرك قوات من الشام وأخرى من اليمن للاشتراك في معركة نهاوند، لكن الخليفة الحصيف الحذر قال: أخاف إن أخليت الشام من الجنود أن تعود الروم إليها، وإن أخليت اليمن من الجنود أخاف أن تغلب الحبشة على ما يليها منها [1] .
ولذلك حرك قوات من الكوفة والبصرة، وترك قوات الشام واليمن مرابطة حيث هي لحماية البلاد والعباد فهذه هي عظمة القيادة المسؤولة، المهم أن الحبشة أصبحت عامل ضغط خارجي ضد المسلمين، وكلما واتتهم الفرصة كانوا يغيرون على شواطئ اليمن والحجاز، فقد حدث ذلك منهم في عهد عمر، وعهد عثمان بن عفان الذي اضطر أن يشحن السواحل بالرجال والسلاح لصد هجمات الأحباش [2] .
كانت هناك إذن أخطار خارجية تهدد الدولة الإسلامية، خاصة من جانب بيزنطة وكان على الخليفة العظيم أن يحسب لهذه الأخطار حسابها، ولذلك كانت وقفته الحاسمة من استمرار الفتوحات برّا وبحرا.
والنظر إلى البلاد المفتوحة ومشاكلها وإداراتها إدارة سليمة، ونشر الإسلام والتمكين له في البلاد عن طريق المعاملة الحسنة والإدارة الحسنة والقدوة الحسنة، فهذه هي مهمة المسلمين الأساسية، وهذا ما كان عمر بن الخطاب يهدف إلى تحقيقه من عدم استمرار الفتوحات، وكان يعرف يقينا أنه بعد أن ينجح المسلمون في تثبيت أقدامهم في البلاد المفتوحة ويضربون للناس المثل العملي على سمو الإسلام ومبادئه وعدله وما يحمل لهم من عزة وكرامة وحرية، فإن الناس عندئذ سوف يقبلون على الإسلام من تلقاء أنفسهم، فمن ذا الذي يرفض العدل والحرية والمساواة [1] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص 300) . [2] ابن أعثم الكوفي كتاب الفتوح (2/ 116، 117) .