الفتوح، مثل «فتوح الشام» للواقدي، المتوفى (سنة 207 هـ) . «وفتوح الشام» لمحمد بن عبد الله الأزدي، المتوفى (سنة 231 هـ) . «وفتوح مصر والمغرب والأندلس» لابن عبد الحكم المتوفى (257 هـ) «وفتوح البلدان» للبلاذري المتوفى (سنة 279 هـ) وكتاب «الفتوح» لابن أعثم الكوفي (سنة 320) هـ وغيرها من كتب التاريخ العام، مثل «تاريخ الطبري» المتوفى (سنة 310 هـ) ، «والكامل» لابن الأثير المتوفى «سنة 630 هـ» ، «والبداية والنهاية» لابن كثير المتوفى «سنة 774 هـ» ، الدارس للفتوحات في هذه المؤلفات يخرج بانطباع مهم، وهو أن المسلمين عند ما اضطروا للصدام مع الفرس والروم في وقت واحد، في حروب طاحنة منذ مطلع خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لم تكن لديهم نية مبيتة للاشتباك العسكري مع هذه الدول الكبيرة ذات الجيوش الجرارة، وإنما أجبرتهم تلك الدول على خوض المعارك ضدها إجبارا، بمحاولتها خنقهم والقضاء عليهم في داخل الجزيرة العربية نفسها وأيدي الفرس والروم في حروب الردة وتأليب العرب على دولة الخلافة لم تكن خافية، ومثال واحد يكفي للدلالة على ذلك؛ وهو حالة سجاح بنت الحارث اليربوعية التميمية، التي ادعت النبوة، وخرجت من العراق تقود جيشا لقتال المسلمين بلغ عدده أربعين ألف رجل، فيكف يعقل أن تستطيع سجاح فعل هذا وتخرج من بلد كان تحت السيطرة الفارسية دون أن يكون الفرس أنفسهم من وراء ذلك تأييدا وتشجيعا وتحريضا.
وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الفرس والروم جميعا حاولوا القضاء على العرب بالعرب كما كانت تلك عادتهم من قبل، فلما لم تنجح تلك المحاولة دخلوا الميدان بشكل سافر، فكان لا بد من الصدام، ولم يكن في وسع المسلمين أن يسكتوا ويقفوا مكتوفي الأيدي، حتى يدهمهم الفرس والروم ويأخذوهم على غرة.
ولقد بدأت الصدامات الأولى مع الفرس في العراق، عند ما كان أحد القادة المسلمين وهو المثنى بن حارثة الشيباني يطارد المرتدين، فهذه المنطقة هي التي جاءت منها سجاح بنت الحارث، وحينما كان المثنى يحارب المرتدين تكالبت عليه الجيوش الفارسية، الأمر الذي جعله يستنجد بالخليفة أبي بكر الصديق، الذي أدرك خطورة الموقف، وعواقب تدخل الفرس في المعارك، فأرسل إلى العراق أعظم قادته العسكريين سيف الله خالد بن الوليد، الذي استطاع بمهارته العسكرية أن يفتح نصف العراق الجنوبي في بضعة شهور. أما الصدام مع الروم فقد بدأ عندما