خليجا من نيلها حتي يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ معه ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.. انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجد في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه، إن شاء الله [1] .
هذا هو عمر بن الخطاب يأمر بحفر قناة لوصل النيل بالبحر الأحمر سميت خليج أمير المؤمنين لتسهيل عملية النقل والتجارة بين مصر والجزيرة العربية، فهو لا يجهل البحر ولكن هناك فرقا بين استخدام البحر للتجارة وبين الحروب البحرية ومخاطرها على المسلمين، والتي كان عمر يخشاها عليهم، عند ما سمعت هذا الكلام أحسست بالدهشة، بل بالانزعاج الشديد؛ إذ كيف يوصف عمر بن الخطاب، من أحد أساتذة التاريخ، وبهذه «البساطة» بأنه يجهل أمر البحر؛ لأنه نشأ في الصحراء.
أو ليست هذه الصحراء شبه جزيرة تحيط بها المياه من ثلاث جهات: البحر الأحمر من الغرب، والخليج من الشرق، وبحر العرب من الجنوب، وقد تبين لي من خلال المناقشات أنه ليس عمر بن الخطاب الذي يجهل أمر البحر، وإنما بعض أساتذة التاريخ- مع الأسف الشديد- هم الذين يجهلون تاريخ عمر بن الخطاب وأسلوبه في إدارة الدولة الإسلامية بصفة عامة، وإدارة دفة الفتوحات الإسلامية بصفة خاصة، ويجهلون أن قرارات عمر بن الخطاب لم تكن ارتجالية، بل كانت مبنية على أسس موضوعية، وبعد استشارة كبار الصحابة، وفي هذه النقطة بالذات له مبرراته القوية، كما سنشرح فيما بعد.
فإذا كان هناك من يستحق أن يوصم بالجهل فهو من يصف عمر بن الخطاب بالجهل، ولكي نعرف موقف عمر بن الخطاب من الفتوحات بصفة عامة، ومن إنشاء أسطول بحري إسلامي يغزو المسلمون به في البحار بصفة خاصة، ينبغي أن نلم ببعض النقاط:
أولا: إن حركة الفتوحات الإسلامية تعد واحدة من الأحداث العالمية الكبرى في التاريخ البشري، بل هي أخطر وأعظم حركة فتوحات في كل ذلك التاريخ، وذلك لما أحدثته من تغييرات وتأثيرات عميقة، على رقعة واسعة من الأرض امتدت على طول وعرض قارات العالم القديم: آسيا وأفريقيا وأوربا. [1] حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 157، 158) طبعة (1) دار إحياء الكتب العربية (1967 م) .