قراءة تاريخية جديدة لموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفتوحات الإسلامية في شهر نوفمبر (1993 م) عقد اتحاد المؤرخين العرب ندوة في مقره بمدينة نصر عن الحضارة الإسلامية وعالم البحار، وفي أثناء إلقاء البحوث والمناقشات تطرق الحديث إلى إنشاء الأسطول الحربي الإسلامي، ومعارضة عمر بن الخطاب في البداية بشدة لهذا الموضوع، عند ما عرض عليه والي الشام- معاوية بن أبي سفيان- الأمر طالبا الإذن منه في إنشاء قوة بحرية إسلامية تدافع عن سواحل المسلمين في الشام ومصر ضد هجمات الأسطول البيزنطي، خاصة من قاعدته القريبة من شواطئ الشام في جزيرة قبرص التي قال عنها معاوية: إن الناس في حمص يسمعون نباح كلابها وصياح دجاجها [1] .
وجاء رفض الخليفة عمر بدافع حرصه على سلامة المسلمين وعدم الزج بهم في ميدان خطر كهذا قبل أن يستعدوا له تمام الاستعداد؛ إذ كانت له تجربتان سابقتان في التعامل مع البحر، كلاهما لم تنجح وسنعود إلى الحديث عنهما قريبا.
ولكن الذي نريد أن نوضحه هنا- والذي كان دافعنا إلى كتابة هذا البحث- أن أحد أساتذة التاريخ علق على موقف عمر من إنشاء أسطول إسلامي ورفضه الحاسم، قائلا: إن عمر بن الخطاب كان يجهل أمر البحر ولا يعرف شيئا عنه؛ لأنه رجل نشأ في الصحراء وكان يخاف من ركوب البحر ولذلك استشار عمرو بن العاص في هذه المسألة، وطلب منه أن يصف له البحر، فجاء وصف عمرو بن العاص للبحر مؤكدا لمخاوف عمر بن الخطاب، فقد كتب إليه قائلا: «يا أمير المؤمنين، إني رأيت خلقا عظيما يركبه خلق صغير، ليس إلا السماء والماء، وإنما هم كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق» [2] .
عند ذلك صمم عمر بعد أن قرأ هذا الوصف على الرفض.
فكيف يجهل عمر بن الخطاب البحر وأحواله، وهو الذي أمر بحفر قناة تصل النيل بالبحر الأحمر، لتسير فيها السفن محملة بالميرة إلى أهل الحجاز، فقد كتب إلى عمرو بن العاص: «إن الله فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقي في روعي- لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين والتوسعة عليهم- أن أحفر [1] تاريخ الطبري (4/ 258) . [2] تاريخ الطبري (4/ 259) .