بالتأهب، وحث أهل اليسار على المساعدة في تجهيز الجيش، فأسرع الصحابة الأجلاء إلى تلبية طلب الرسول صلّى الله عليه وسلم، وظهر إيثارهم للدعوة والعقيدة على كل شيء سواها، وأنهم على استعداد للتضحية من أجل الدعوة لا بأنفسهم فحسب، ولكن بأموالهم أيضا، وكانوا بحق هم الذين اشترى الله تعالى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. أنفق أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا، وأنفق غيرهم، وكان أعظمهم نفقة عثمان بن عفان رضي الله عنه [1] . فسر النبي بذلك ودعا لهم جميعا بخير، كما خص عثمان بدعاء لسخائه الكبير. وتسارع أهل الصدق والدين والإخلاص كل يقدم ما يقدر عليه، وتجمع تحت قيادة النبي صلّى الله عليه وسلم أكبر جيش يتجمع له منذ بدأ جهاده العظيم من أجل العقيدة ونشر الدين كان عدد الجيش حوالي ثلاثين ألفا. وصل النبي صلّى الله عليه وسلم تبوك بعد رحلة شاقة وعسيرة فالمسافة طويلة- بين المدينة المنورة وتبوك حوالي سبعمائة كيلومتر- والطريق صعب، ولكن كل شيء في سبيل الله يهون، ومتى كان تحقيق الأهداف النبيلة أمرا سهلا؟
وهل هناك شيء أنبل وأعظم من إرساء دعائم عقيدة التوحيد، ونشر العدل والرحمة بين بني البشر؟.
وصل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى تبوك ليجد الروم قد انسحبوا إلى داخل الشام، ولم يجرؤوا لا هم ولا حلفاؤهم من العرب على لقاء النبي صلّى الله عليه وسلم [2] ؛ لما أصابهم من الخوف والفزع من نتائج الصدام العسكري مع جيش يقوده أعظم القواد محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
فماذا كان موقف النبي من هذا الجيش المنسحب الفار من الميدان؟ هذا الجيش الذي حارب المسلمين بضراوة قبل عام واحد في مؤتة، وكاد يستأصلهم لولا عناية الله الذي ألهم خالد بن الوليد بوضع خطة لانسحابهم إلى المدينة. هذا الجيش الذي يفر أمام الرسول، هو نفسه الجيش الذي كان يقوده هرقل بنفسه وانتصر به على الفرس انتصاره الحاسم قبل سنتين اثنتين.
ولكنها هيبة النبوة التي أفزعت هذا الجيش وألقت الرعب في قلوب جنوده. لو أن أي قائد آخر كان في موقف النبي صلّى الله عليه وسلم، ماذا كان سيصنع؟ لا بد أنه كان سينتهز هذه الفرصة، ويلاحق جيش عدوه المنسحب ويقضي عليه. ولكن [1] ابن الأثير (2/ 277) . [2] ابن الأثير (2/ 281) .