عبادة البشر للبشر أية عقبات مادية من قوة الدولة ومن نظام الحكم» [1] .
في ضوء هذا التحديد النهائي لشكل العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب وفي ضوء ما علمناه من تحركات الروم- وهم يزعمون بأنهم مسيحيون- ضد الإسلام ينبغي أن ننظر إلى تحرك النبي صلّى الله عليه وسلم لغزوهم في تبوك، ثم ينبغي أن ننظر أيضا إلى تطور العلاقات بين المسلمين وبينهم بعد عهد الرسول؛ «في عهد الخلفاء الراشدين، وما تلاه من عهود» .
أصبح الروم عقبة في طريق الإسلام، رفضوه دينا وعقيدة، وقاوموه ليصدوا الناس عنه؛ فوجب قتالهم حتى يعطوا الجزية، فإذا أعطوا الجزية، فهذا يعتبر دليلا على الاستسلام والخضوع وإلقاء السلاح وعندئذ يكف عنهم المسلمون.
في ضوء هذا كله، وبعد وصول الأخبار إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بتحرك الروم ضد الإسلام والمسلمين، بدأ العدة لمواجهتهم فيما سماه المؤرخون المسلمون بغزوة تبوك [2] . وقد اختلف الإعداد لهذه الغزوة كما اختلف الأسلوب فيها عما سبقها من غزوات. ففي الغزوات السابقة كان الرسول صلّى الله عليه وسلم إذا أراد غزو جهة ما ورّى بغيرها ليباغت أعداءه ويأخذهم على غرة، هذا ما يعبر عنه العسكريون المعاصرون بأسلوب الإخفاء والمفاجأة. أما في غزوة تبوك فإنه أعلن عن وجهته في صراحة لخطورة العدو وبعد الشقة وهذا ما يقوله كبار المؤرخين المسلمين عن الأسلوب النبوي الكريم.
يروي الطبري في تاريخه فيقول: «وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنّى عنها، وأخبر أنه يريد غير الذي يصمد له إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بيّنها للناس؛ لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له؛ ليتأهب الناس لذلك أهبته، وأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم» [3] .
إذن هذه غزوة لها خطرها وشأنها في مستقبل الإسلام والمسلمين، لذلك لا بد أن يسير إليها المسلمون وهم على بينة من أمرهم. استنفر النبي صلّى الله عليه وسلم المسلمين وأمرهم [1] سيد قطب- في ظلال القرآن (10/ 170) . [2] يقول ياقوت عن تبوك: «تبوك بالفتح ثم الضم وواو ساكنة وكاف، موضع بين وادي القرى والشام ... وبين تبوك والمدينة اثنتا عشرة مرحلة» معجم البلدان (2/ 14، 15) . وتبوك الآن مدينة كبيرة في شمال المملكة العربية السعودية. [3] الطبري (3/ 142) ، وانظر ابن سعد (2/ 165) ، وابن كثير (5/ 2) ، وابن الأثير (2/ 276، 277) .