ثم يبين محل الخطأ الذي وقع فيه هذا النوع من الصوفية نتيجة سوء فهمهم
لمعنى الباطن القرآني، فقال: (كان الصوفي إنما ينظر إلى القرآن نظرة تتمشّى مع
أهدافه وتتّفق مع تعاليمه، حسب النزعة الصوفيّة الباطنيّة، ولم يكن من السهل أن
يجد في القرآن صراحة تتّفق مع نظرته، أو يتمشّى بوضوح مع نزعته؛ حيث القرآن جاء
لهداية الناس إلى معالم الحياة الكريمة، وجاء بتعاليم تتّفق مع واقعيّات الحياة،
ولم يأت لإثبات أو دعم نظريّات وتعاليم جاءت غير مألوفة، ولا هي ماسّة بواقع الإنسان
في هذه الحياة، وإنما هي أشياء فرضوها فرضا واحتملوها احتمالا مجردا عن
الواقعيّات، وربما كانت متنافرة مع الفطرة والعقل السليم.. غير أنّ الصوفي، زعما
منه في إمكان الجمع بين الشريعة والطريقة، يحاول أن يعثر على مقصوده حيثما وجد إلى
ذلك سبيلا ولو بالفرض والاحتمال، ومن ثمّ تراه يتعسّف في تأويل ظواهر الكتاب والسنة
من غير هوادة، ويتكلّف في حمل الآيات القرآنية على معاني غريبة عن روح الشريعة،
ويتخبّط خبط عشواء بلا تورّع. وكان ذلك مصداقا لامعا) [1]
ثم ذكر بعض علامات هؤلاء وآثارها السلبية على التعامل الصحيح مع القرآن
الكريم، فقال: (وأولى سمات التفسير الصوفي البارزة، هو التكلم بلا هوادة، والأخذ
في التأويل من غير ضابطة، والاعتماد على سجع الكلام في تكلّف ظاهر.. إن التفسير
الصوفي لا يعتمد على مقدّمات علمية ولا براهين منطقية، ولا يعلّله سبب معقول،
وإنما هو شيء حسبه قد أفيض عليه بسبب إشراقات نوريّة، جاءته من محلّ أرفع، أنه
يرى من مقامه الصوفي العرفاني وصلا إلى درجة الكشف والشهود، لتنكشف له المعاني من
سجف العبارات، وتظهر له الإشارات القدسيّة، وتنهلّ على قلبه من سحب الغيب ما تحمله
الآيات القرآنية والسنة النبويّة، من معارف سبحانية متعالية عن أفهام العامّة،
هكذا يزعم