أكلوها!.. وعلى الرغم من كرههم الشديد للبنات بحيث أنَّهم كانوا يئدونهن
احياء لكنهم كانوا يقولون: إن الملائكة بنات الله، بحيث يعتبرون الله سبحانه
وتعالى انساناً مثلهم.. وكان ينتابهم العجب من التوحيد وعبادة إله واحد، وعندما
دعاهم نبي الاسلام الى عبادة الله الاحد، قالوا بدهشة: ﴿أَجَعَلَ
الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص، الآية 5]..
وكانوا يلصقون صفة الجنون بكل من يخالف خرافاتهم واساطيرهم المزيفة ويتعرض
لمعتقداتهم الواهية.. وكان النظام القبلي هو السائد على المجتمع، حيث النزاعات
القبلية كانت على أشدها، حتى أنَّ نار الحروب لم تخمد يوماً بينهم، وكثيراً ما
اصطبغت أرضهم بالدماء، ويفتخرون بالقتل والنهب والسبي.. واذا ظهر بينهم من يعرف
القراءة والكتابة أصبح ناراً على علم، وكان من النادر أنَّ تعثر بينهم على عالم
مفكر)[1]
وبعد هذا الوصف البليغ للبيئة التي ولد فيها رسول الله a، راح يقارنها بما ورد
في القرآن الكريم من المعاني الغريبة عنها كل الغرابة، يقول: (هذا هو المحيط الذي
بزغ فيه نور إنسان أمّي لم يدخل مدرسة ولا رأى معلماً، ولكنه أتى بكتاب عميق
المحتوى الى درجة أن العلماء والمفسرين ما يزالون بعد أربعة عشر قرناً مشغولين
باستكناه معانيه واستخراج حقائق جديدة منه فهو معين لا ينضب ابداً)[2]
ثم ينتقل من الوصف العام إلى التفصيل، فيقول: (إنَّ الصورة التي يرسمها
القرآن الكريم لعالم الوجود ونظامه صورةً دقيقة مدروسة، فيعرض التوحيد بأكمل
حالاته، ويعرض أسرار خلق الارض والسماء والليل والنهار والشمس والقمر والنباتات
والاشجار والانسان على أنَّ كلاً منها آية تدل على وحدانية الله الاحد.. ويتعمق
أحياناً في أغوار النفس الانسانية ويتحدث عن التوحيد الفطري، فيقول:
﴿فَإِذَا رَكِبُوا في الْفُلْكِ دَعَوُا