أصول الفقه، وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة،
واستعمال مكارم الأخلاق، ومن تأمل كتابنا في (دلائل الإعجاز) علم أن القرآن قد بلغ
في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى.
ثم بين الطريق الثاني للإعجاز، وهو القول بالصرفة، وهو قول مبني على
التسليم الجدلي وليس على البراهين العقلية؛ فقال: (الطريق الثاني: أن نقول: القرآن
لا يخلو إما أن يقال إنه كان بالغا في الفصاحة إلى حد الإعجاز، أو لم يكن كذلك؛
فإن كان الأول ثبت أنه معجز، وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة
فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها
أمر خارق العادة فكان ذلك معجزا فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه)[1]
الأوّل: أنّ عجز العرب عن المعارضة لو كان سببه أنّ اللّه أعجزهم عنها، بعد أن
كانوا قادرين عليها، لما كانوا مستعظمين لفصاحة القرآن، بل يجب أن يكون تعجّبهم من
تعذّر ذلك عليهم، بعد أن كان مقدورا عليه لهم، كما أنّ نبيّا لو قال: معجزتي أنّى
أضع يدي على رأسي هذه الساعة ويكون ذلك متعذرا عليكم، ويكون الأمر كما زعم، لم يكن
تعجّب القوم من وضعه يده على رأسه، بل من تعذّر ذلك عليهم، ولمّا علمنا بالضرورة
أن تعجّب العرب كان من فصاحة القرآن نفسها بطل ما قاله النظّام.
الثاني: أنّه لو كان كلامهم مقاربا في الفصاحة قبل التحدّي لفصاحة القرآن لوجب
أن يعارضوه بذلك، ولكان الفرق بين كلامهم بعد التحدّي وكلامهم قبله كالفرق بين