بينما يبقى هو في
المستنقعات يحلم بالجمال الذي لا يصل إليه، ولا يحلم بالوصول إليه، فلذلك إن رُفع
هذا الوهم، وقيل للفقير: فقرك لا يحول بينك وبين أي شيء، فيمكنك أن تتربع على أي
عرش، وتتناول أي حق، بل يمكنك أن تجعل الأغنياء الذين ترمقهم بعينين حسودتين
يغبطونك على ما حل بك من النعم.. بل يمكنك أن تقف بينهم شامخا جبارا يتطاولون
للوصول إلى ما وصل إليه عنقك، ويتوثبون للتحقق بما أدتك إليه همتك.
ثم قلت في نفسي: ليت
الفقراء يسمعون لمعلم السلام وهو يخرجهم من الأوهام، فينتقلون من الشعور بالنقص إلى
الشعور بالقدرة على الكمال، ومن الشعور بالعجز إلى الشعور بالقوة التي لا تقف
دونها الحواجز.
قال لي معلم السلام، وكأنه
يسمع ما يدور في نفسي: أسمعهم قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ
الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ
مَصِيراً}(النساء:97)
قلت: فما وجه الإشارة في
هذا؟
قال: هذه أكبر صفعة ينالها
المستضعف العاجز؟
قلت: كيف؟
قال: إن أوهامه تجعله يتصور
أنه وإن صار ذنبا، فإنه لن يحرق مع الكبراء، لأنه كان مستضعفا، وكانوا متكبرين،
فالآية تقول له:( لن تعذر باستضعافك لأن