كان هذا هو سلوكها مع الجمعية كما كان سلوك الطرق
الصوفية مع الجمعية، فالطرق بطبيعتها المسالمة لا تبدأ بالحرب، ولا بالصراع، ولكن
إن تجاوز الأمر حده، فحينذاك يتغير الموقف بالضرورة.
فكيف نتصور بعد تلك الإذية الكبير التي حصلت لرجال
الطرق، واستدعيت الشرطة لأجلهم ورموا من طرف الجمعية في عنابة بما رموا به، ولم
يكن من هم لصحف الجمعية إلا الثلب فيهم وفي أعراضهم، كيف نتصور أن تبقى الجريدة في
موقفها؟
ولهذا، فقد كان من الطبيعي أن تغير موقفها، وقد
اعتبرنا ذلك في الباب الأول خسارة للجمعية، لأنها مع قدرتها الدبلوماسية في
التعامل مع المستعمر لم تستعمل تلك القدرة في تعاملها مع إخوانها من أصحاب الطرق
الصوفية.
والغريب أن محمد ناصر
وكثير من الباحثين لا ينحى باللائمة على سلوك الجمعية الاستفزازي، وإنما ينحى
باللائمة على الجريدة، فيقول: (جريدة إصلاحية ثم انتفاعية)[2]
ولست أدري ما المنطق الداعي إلى هذا الطرح، أي أن
محمد ناصر يعتبرها إصلاحية ما دامت مع الجمعية لكنها إن تحولت لعدم اقتناعها
بمنهجها الإصلاحي تتحول إلى انتفاعية.
وقد نتج عن هذا الموقف الذي وقفته الجريدة سجال
إعلامي زاد طين الفرقة بين الجمعية والطرق الصوفية بلة، ومن ذلك ما كتبه ابن باديس يقول في مقال في (الشهاب) بعنوان (نحن والنجاح) جاء فيه: (لا نحب
أن نعرض لجريدة النجاح فيما اختارته لنفسها من خطتها، فذلك شأنها وإنما نرى من
الواجب علينا أن نعرض لها في أشياء نشرتها تتعلق بنا، ولا يخمن ضررها بنا بل يتعدى
إلى الحقيقة والوطن)
[1] مامي : دعوة إلى التوفيق، النجام، العدد 1489 يوم 7 جويلية 1933،ص1.
[2] محمد ناصر ;
المقالة الصحفية، المرجع السابق، ص 234.
نام کتاب : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والطرق الصوفية وتاريخ العلاقة بينهما نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 279