[الحديث: 59] قال الإمام علي: (فكم أكلت الأرض من عزيز جسد،
وأنيق لون. كان في الدنيا غَذِيَّ تَرَفٍ وربيب شرف.. فبينا هو يضحك إلى الدنيا
وتضحك إليه، في ظل عيش غفول، إذ وطئ الدهر به حسكه، ونقضت الأيام قواه، ونظرت إليه
الحتوف من كثب. فخالطه بثٌّ لا يعرفه، ونَجِيُّ همِّ ما كان يجده. وتولَّدت فيه
فترات علل، آنس ما كان بصحته، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء، من تسكين الحار
بالقار، وتحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلَّا ثوّر حرارة، ولا حرّك بحارّ
إلَّا هيّج برودة، ولا اعتدل بممازج لتلك الطَّبائع إلَّا أمد منها كل ذات داء، حتى
فتر مُعَلِّله، وذُهِلَ مُمَرِّضه، وتعايا أهله بصفة دائه، وخرسوا عن جواب
السائلين عنه، وتنازعوا دونه شجيَّ خبر يكتمونه، فقائلٌ يقول هو لما به،
ومؤمِّلُهم إياب عافيته، ومصبِّرٌ لهم على فقده، يذكَّرهم أسى الماضين من قبله.
فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا، وترك الأحبة، إذ عرض له عارض من غصصه،
فتحيرت نوافذ فطنته، ويبست رطوبة لسانه. فكم من مُهِمٍّ من جوابه عرفه فعيَّ عن
ردِّه، ودعاء مؤلمٍ بقلبه سمعه فتصامَّ عنه، من كبير كان يعظَّمه، أو صغير كان
يرحمه. وإن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على عقول أهل الدنيا)[2]
[الحديث: 60] قال الإمام علي بعد ضربته التي قتل فيها: (أنا
بالأمس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغداً مفارقكم..وإنما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً،
وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوِّي وخفوف
إطراقي، وسكون