وفي حديث آخر، قال a: (من يدخل الجنة يحيا ولا يموت،
وينعم ولا يبأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)، قيل: يا رسول الله كيف بناؤها؟
قال: (لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها مسك أذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت،
وترابها الزعفران)([230])
وفي حديث آخر، قال a: (الجنة لبنة من ذهب ولبنة من
فضة، وترابها الزعفران، وطينها المسك)([231])
ومثل ذلك الحرير، والذي هو علامة من علامات الترف، والذي حُرم في الدنيا
على الرجال، بناء على الاختبار الإلهي، ورعاية لحقوق المستضعفين، أما في الجنة؛
فإنه مباح فيها، قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً
وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: 12]
وهكذا؛ فإن التعالي في البنيان في الدنيا، والمبالغة في الترف محرم بسبب
الاختبار الإلهي، ورعاية لحقوق المستضعفين، لكنه في الجنة موفر، مثله مثل كل رفاه
آخر.
والله تعالى يذكر هذا الرفاه والترف الذي أتيح لأهل الجنة، ليدفعهم إلى
الصبر والرضا، وتحمل مشاق مجاهدات التزكية، لأن الركون إلى الدنيا، يحول بين النفس
وبين اكتمال تطهيرها.. بخلاف الجنة التي هي دار القرار.
ولهذا يقرن بين أولئك الذين
استسلموا للترف ومقتضياته في الدنيا، وبين أولئك الذين سلموا نفوسهم لله، وامتلأوا
زهدا وورعا وتضحية في سبيل الله، قال تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ
نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ