فهذه الآيات الكريمة
تبين أن نور المؤمنين يسعى أمامهم وبين أيديهم، ليضيء لهم الظلمات التي تملأ ذلك
الموقف، كما تبين أن مبدأ اكتساب ذلك النور كان في الدنيا، وبالعمل الصالح، ولهذا
يطلبون من المنافقين العودة للدنيا لاكتساب ذلك النور.. وهو يدل على أن نفس ذلك
العمل تحول إلى ذلك النور.
ومثلها قوله تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ
الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا
كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة:
34، 35]، والآية صريحة في أن الذهب والفضة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباه
المكنزين وجلودهم وظهورهم، كما أنها صريحة في أن النار نفس ما اكتنزوه في النشأة
الأولى، فكأن للكنز ظهورين: ظهورا بصورة الفلز وآخر بصورة النار المكوية، وهذا يدل
على أن لكل عمل من خير وشر ظهورين ووجودين حسب اختلاف النشآت.
ومثلها قوله تعالى: ﴿
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ
خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلله مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ﴾ [آل عمران: 180]، فهذه الآية الكريمة تبين أن ما كان يبخل به الإنسان
من الذهب والفضة وغيرهما يظهر في النشأة الأُخرى بهيئة سلسلة من نار تُطوِّق العنق
وتلتف حوله، وتقحمه النار.