نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 264
التفر والوسیله
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تذكر لي بعض المقولات الواردة في كتب
السلوك والتزكية، والتي تدعو إلى التجرد التام، وترك الأسباب، وعدم الانشغال أو
الاشتغال بها، واعتبار ذلك قادحا في التوحيد، ودالا على الهمة الدنية، والتي لا
يتخلص منها إلا من اعتمد على الله وحده.
وذكرت لي بعض القصص في ذلك، والتي تعرض فيها بعض المتجردين لمهالك كادت
تودي بهم، ولكنهم مع ذلك ظلوا على تجريدهم وتوحيدهم وتوكلهم إلى أن تولى الله
تعالى إنقاذهم كرامة منه، ومن غير أسباب معلومة.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن التفريد والتجريد والتوحيد الذي
يتحدث عنه الحكماء لا ينافي الأخذ بالأسباب والوسائل، ولا العمل بما تتطلبه، بل هو
من الأدب مع الله تعالى.
ومثال ذلك مثال أستاذ كلف تلاميذه بالاستعانة ببعضهم بعضا في القيام بما
يكلفهم به من وظائف، وحتى يتمكنوا من فهم دروسهم جيدا، لكن بعض التلاميذ رغب عن
ذلك، وأخبر أستاذه أنه لا يمكن لهمته العلية أن تترك الأستاذ وتذهب إلى تلاميذه،
مع أن التلاميذ ليسوا سوى صنيعة للأستاذ.
وهذا سوء أدب مع الأستاذ، لأن التلميذ المحترم هو الذي يقوم بكل ما
يُكلَّف به لعلمه أن أستاذه لا يريد له إلا الخير، ولذلك لا يعارضه، ولا يعقب على
قوله، بل يفعل كل ما يطلبه منه، وبكل تسليم وسكون وخضوع.
وهكذا الأمر مع توجيهات الله تعالى لعباده؛ فهي كما تدعونا إلى مراعاة
التوحيد،
نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 264