وما نراه من نفع أو ضار صادر من الأشياء، فنتوهمه منها وبها، فننحني شكرا
لها، أو نتنحى هيبة منها وهم كبير أفرزته الغفلة عن مشيئة الله، فكل ما نراه
(بالإضافة إلى القدرة الأزلية كالقلم بالإضافة إلى الكاتب في اعتقاد العامي، وكما
أن السلطان إذا وقع بكرامة أو عقوبة لم ير ضرر ذلك ولا نفعه من القلم، بل من الذي
القلم مسخر له، فكذلك سائر الوسائط والأسباب)
بل إن الغافل هو الذي يرى القلم مسخرا للكاتب، أما العارف فيعلم أن الكل
مسخر بيد الله ومشيئته الكاتب والقلم وسائر الأسباب والوسائط.
إذا علمت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاحذر من أن تسمي الله تعالى باسم [الضار]،
مجردا عن اسمه [النافع]، فيستحيل على الله تعالى خلق الشر المجرد، أو أن يكون ضارا
بخلقه، وكيف يكون ذلك، وهو الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
فلذلك كان كل ما نراه ضررا أو شرا صادرا منه ممتلئا برحمات كثيرة تغيب
عنا حقائقها، فيكون حالنا كحال من يرى الطبيب الجراح، وهو يقوم بتمزيق جسد المريض،
فيتوهم أنه يعذبه بذلك، ولا يعلم أنه يداويه به.
وأول تلك الرحمات تمييز مراتب الخلق في هذه النشأة حتى لا يختلط الطيب
بالخبيث، والصالح بالمفسد، وذلك أن الله تعالى جعل بحكمته هذه الدار محلا لاختبار
عباده، لينزل كل واحد منهم ـ في النشأة الآخرة ـ المحل الذي ينسجم مع طبيعته،
وتبرزه أهليته.
فلذلك كان ذلك الضرر البسيط المحدود المتنزل على الخلق نوعا من الاختبار
لطبائعهم وما تكنه صدورهم، كما قال تعالى: ﴿لِيَمِيزَ الله
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ